تعزيز النُظم الصحية

الوضع في عام 2012‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

كانت الحاجة إلى تعزيز النظم الصحية واضحة وضوحاً شديداً في عام 2012 ولم تزل هكذا إلى يومنا هذا، حيث شاعت أوجه الإجحاف الصحي، ليس فقط في بلدان المجموعتين الثانية والثالثة، ولكن في بلدان المجموعة الأولى أيضاً . وتتصاعد وتيرة التعرض للمخاطر الصحية، وبالأخص لأهم الأسباب المؤدية إلى الأمراض غير السارية، التي تُعدُّ بدورها السبب الرئيسي للوفاة في الإقليم. كما أن تكاليف الرعاية الصحية آخذة في التزايد مع انخفاض التغطية بالتأمين الصحي، مما يؤدي إلى ارتفاع المدفوعات المباشرة من جيوب المرضى، وتسقط الكثير من الأسر نتيجة ذلك في براثن الفقر (الشكل 1). أما الحصول على الرعاية الصحية الجيدة، وحتى مجرد الرعاية الصحية في بعض الأحيان، فهو أمر بعيد المنال بالنسبة لجزء لا يستهان به من سكان الإقليم. وفي حين تُتاح الشبكات الحديثة من البُنى التحتية الصحية والعاملين المهرة في الرعاية الصحية والتكنولوجيات الطبية والمستحضرات الدوائية المتقدِّمة إتاحةً كاملةً لمواطني بعض البلدان، فالأمر لا يكون كذلك أبداً في كل البلدان. ومثل هذه التفاوتات في قوة النظم الصحية إنما تسهم في تباين النتائج الصحية، مثلما هو الحال بالنسبة لمأمول الحياة ووفيات الأمهات ووفيات الرضع والأطفال.

وبالنسبة لنظم المعلومات الصحية، بما فيها نظم تسجيل الأحوال المدنية والإحصاءات الحيوية، فهي غير قادرة على جمع المعلومات الحيوية اللازمة لوضع الخطط للنظم الصحية وإقامة هذه النظم ورصد عملها. وتتضمن هذه المعلومات بيانات موثوقة عن المواليد والوفيات وأسباب الوفاة، وأهم المؤشرات الصحية. وفي حين توجد تباينات بين البلدان في جودة نظام المعلومات الصحية، فإن جميع البلدان تفتقر إلى نظام شامل يعمل بالكامل وقادر على توفير المعلومات اللازمة في الوقت المناسب وبطريقة موثوقة للاسترشاد بها في التخطيط ورسم السياسات.

وتُعدُّ القدرات والموارد اللازمة للتأهب للطوارئ والاستجابة لها غير كافية وتتسم بالتفتت. وأحداث العنف والدمار الذي أصاب البُنى التحتية، بما في ذلك البنية التحتية الخاصة بالرعاية الصحية، ونزوح ملايين البشر، أضحت تمثل أزمةً حادة بالنسبة للنظم الصحية التي لم تكن متأهبة على النحو الكافي. وفي استجابة مباشرة لهذه وغيرها من التحديات الصحية الشديدة، شرع المكتب الإقليمي بالتعاون مع المكاتب القطرية ووزارات الصحة والمقر الرئيسي للمنظمة وغير ذلك من الشركاء، في عملية تعزيز النظم الصحية للدول الأعضاء.

ففي تشرين الأول/أكتوبر 2012، اعتمدت اللجنة الإقليمية قراراً (ش م/ل إ59/ق-3) بشأن تعزيز النظم الصحية في بلدان إقليم شرق المتوسط. وقد خلص القرار إلى أن تحسين صحة السكان في الإقليم "لا يمكن أن يتم إلا من خلال نُظُم صحية وطنية جيدة الأداء، تضمن الإتاحة الشاملة لرعاية صحية فعّالة وعالية الجودة"، وحثَّ الدول الأعضاء على التركيز على سبع أولويات استراتيجية (الإطار 1). وأصبحت تلك الأولويات تمثِّل الأهداف المنشودة من تعزيز النظم الصحية.

الإطار 1. أولويات تعزيز النظم الصحية

  1. تعزيز القيادة والحوكمة في الصحة
  2. التحرُّك صَوْب تحقيق التغطية الصحية الشاملة
  3. تقوية نُظُم المعلومات الصحية
  4. دعم إعداد قوى عاملة صحية متوازنة وجيدة الإدارة
  5. وتحسين الحصول على خدمات رعاية صحية رفيعة الجودة
  6. المشاركة مع القطاع الصحي الخاص
  7. ضمان الحصول على التكنولوجيات الأساسية، ومنها الأدوية

التقدُّم المحرز في الفترة 2012-2016

القيادة والحوكمة: بدأ هذا المجال المتعدد الجوانب من مجالات تعزيز النظم الصحية بإجراء استعراض معمَّق للنظم الصحية في الإقليم، وأعقب ذلك إعداد مرتسم موجز للنظام الصحي في كل بلد. وتصدر هذه المرتسمات المكوَّنة من صفحتين كام عام بالتشاور مع الدول الأعضاء، وتوفر معلومات مهمة عن كل بلد وتعرِض تقييماً موجزاً لنقاط القوة ومواطن الضعف والفرص والتحديات والأولويات. وتهدف إلى مساعدة راسمي السياسات على التركيز على ما تتمتع به بلدانهم من مقومات وما يعترض طريقها من تحديات وتوفِّر مناسبة هامة ومدخلاً للحوار، ولاسيما أثناء البعثات المرسلة إلى البلدان. وقد قُدِّمت بالتوازي مع ذلك مجموعة من الدورات التدريبية على تنمية القدرات بهدف تعزيز عمليات رسم السياسات وصنع القرارات في الدوائر الحكومية، وعلى التشريعات واللوائح الخاصة بالصحة، وعلى الحقوق الصحية والإنسانية، والسياسات الصحية والتخطيط في مجال الصحة.

وقد كان أحد العوائق الرئيسية التي تعترض سبيل التقدُّم في مجال الصحة العمومية في كثير من البلدان متمثلاً في نقص قدرتها على وضع السياسات والبرامج الصحية المسندة بالبيّنات وتنفيذها. وفي إطار الجهود الرامية إلى تعزيز القيادة، أُطلِق برنامج للقيادة من أجل الصحة بهدف صقل مهارات مسؤولي الصحة العمومية في مستوى الوظائف المتوسطة والعليا. وحتى الآن، تخرج من هذا البرنامج ما يزيد على 50 قيادة من قيادات الصحة العمومية في المستقبل. ويهدف البرنامج، الذي يقدَّم بالتعاون مع كلية هارفارد للصحة العمومية، إلى تطوير القيادات المستقبلية القادرة على المبادرة بالتصدي إلى المشكلات الصحية، على المستوى المحلي والوطني، التي لها تأثير مباشر على صحة السكان. وهناك مبادرات رئيسية أخرى تمثلت في تقييم وظائف الصحة العمومية الأساسية في الإقليم. وقد أسهم هذا العمل، الذي تولى زمام قيادته المدير الإقليمي وأسدت له النصح لجنة عالمية من الخبراء المعروفين، في إرساء الوظائف المحددة للصحة العمومية في الدول الأعضاء، وهي الوظائف الضرورية للحفاظ على صحة سكان تلك الدول وعافيتهم. وأعقب ذلك إعداد الأدوات والأدلة الخاصة بالتقييم الذاتي للبلدان من أجل تحديد الثغرات في قدرات الصحة العمومية لديها. وقد نُفِذ التقييم في بلدين بصفة تجريبية وسوف يُنشَر في سائر بلدان الإقليم.

وبالنسبة للحوكمة في الصحة، أُطلِقت مبادرة لبناء القدرات في مجال الدبلوماسية الصحية، وهو المجال الذي يتعلق بالمفاوضات التي تنخرط فيها البلدان على المستوى العالمي، بوجه خاص، حول القضايا الصحية التي تؤثر على البلدان والتي ترسم ملامح بيئة السياسات العالمية المحيطة بالصحة. وقد حضر الندوات السنوية مجموعة من أهم المسؤولين المعنيين من وزارات الصحة والشؤون الخارجية والدبلوماسيين والبرلمانيين والخبراء لمناقشة أهم قضايا الساعة في مجال الصحة على الصعيد العالمي وتبادل الدروس المستفاد. وقد ثبت، عام تلو العام، أن هذه المبادرة هي أكثر أنواع الحوار نفعاً حيث يستقي منها المشاركون الدروس وتسهم في توطيد العلاقة بين الصحة والسياسة الخارجية في الإقليم. وتقيم بلدان عديدة ندوات وحلقات عمل مماثلة على المستوى الوطني.

التغطية الصحية الشاملة: أهم ما يرمي إليه تعزيز النظم الصحية في البلدان هو تحقيق التغطية الصحية الشاملة، وهو ما يعني تقديمها لجميع الأفراد ولجميع البلدان، وللمواطنين والمغتربين على السواء. ولابد أن تتضمن التغطية الصحية الشاملة تدخلات يتم من خلالها التصدي لأهم أسباب المراضة والوفيات للسكان ككل، بمن فيهم المجموعات المهمّشة والضعيفة، فضلاً عن حمايتهم من التكاليف الباهظة للرعاية الصحية التي تعرِّض الأسر لمخاطر السقوط في دائرة الإفلاس. ويعدُّ هذا الأمر إحدى الغايات المهمة للهدف الخاص بالصحة ضمن أهداف التنمية المستدامة وله دور حيوي في ضمان الاستجابة الفعّالة للأثر المتفاقم للأمراض غير السارية. وكان اعتماد اللجنة الإقليمية عام 2012 للتغطية الصحية الشاملة باعتبارها أولوية شاملة قد أسفر عن إعداد إطار العمل المعني بالنهوض بالتغطية الصحية الشاملة في إقليم شرق المتوسط، واعتماده بعد ذلك في عام 2014. وهذا الإطار هو وثيقة استراتيجية فيما يتعلق بالسياسات وسيساعد على تحقيق هذه المبادرة البالغة الأهمية لجميع الأفراد والأسر في كل بلدان الإقليم البالغة 22 بلداً.

ويشمل الإطار مجموعة من الإجراءات الاستراتيجية لبلوغ التغطية الصحية الشاملة، وهي إجراءات مسندة بالبيّنات وعالية المردود وذات جدوى، وسوف تدعمها جميعاً إجراءات مقابلة من جانب المنظمة. ومن هذه الإجراءات، على سبيل المثال، إرساء آلية توجيهية متعددة القطاعات معنية بالتغطية الصحية الشاملة تُشرِف عليها وزارة الصحة. ويشتمل أيضاً على إجراءات لتعزيز الحماية من المخاطر المالية، والتي من شأنها أن تساعد على تقليل حصة مدفوعات المرضى المباشرة من جيوبهم وخفض النفقات الباهظة للرعاية الصحية، ومن ثم الحماية من السقوط في براثن الفقر. ويهدف الإطار أيضاً إلى ضمان احتواء برنامج التغطية بالتأمين الصحي الاجتماعي في كل بلد على حزمة من الخدمات الأساسية، ومنها الخدمات الوقائية والعلاجية. وأخيراً، يُستخدم الإطار في إرشاد البلدان لتوسيع نطاق التغطية للمجموعات الضعيفة، وخصوصاً الفقراء والعاملين في القطاع غير الرسمي، كما يُستخدم في جمع البيانات التي تتيح رصد التقدُّم المحرز صوب تحقيق التغطية للسكان.

وعقب اعتماد الإطار الإقليمي المعني بالنهوض بالتغطية الصحية الشاملة، بات من الضروري لكل بلدٍ أن يعكف على تنفيذ الإجراءات الموصى بها (الإطار 2). وسعياً منها إلى تحقيق هذا الغرض، قدَّمت المنظمة الدعم من خلال بعثات مراجعة النُظُم الصحية التي هدفت إلى الوقوف على التحدِّيات والفرص السانحة من أجل إعداد استراتيجيات وطنية للتغطية الصحية الشاملة. وبحلول منتصف عام 2016، أجريت أعمال مراجعة معمَّقة للنظم الصحية وأُعِدت استراتيجيات وخطط وطنية في 10 بلدان. ويعكف جميع البلدان تقريباً، بما في ذلك بلدان المجموعة الثالثة، بنشاط على استكشاف الخيارات المتاحة للتغطية الصحية الشاملة، بما فيها توسيع نطاق التغطية من خلال التأمين الصحي

إطار 2. التغطية الصحية الشاملة: التزامات إطار العمل الرئيسية

  1. إعداد رؤية واستراتيجية
  2. تعزيز الحماية من المخاطر المالية
  3. توسيع نطاق التغطية بالخدمات الصحية اللازمة
  4. ضمان توسيع نطاق التغطية السكانية ورصدها

نظم المعلومات الصحية: تتولى منظمة الصحة العالمية زمام مبادرتين مترابطتين لمعالجة ثغرات نظم المعلومات الصحية وتفتتها في مختلف البلدان. وقد انطلقت هاتان المبادرتان في عام 2012، وكلاهما مهم لتطوير عملية صنع السياسات الصحية المسنَّدة بالبيِّنات والتخطيط والرصد في المستقبل.

وفي بداية هاتين المبادرتين، كانت منظمة الصحة العالمية تعمل عملاً مكثفاً مع الدول الأعضاء لمراجعة نظم المعلومات الصحية لديها وتعزيزها، وذلك من خلال مشاورات الخبراء والجلسات المشتركة بين البلدان والتشاور على نطاق واسع مع مختلف البلدان. وفي عام 2014، أقرت اللجنة الإقليمية لشرق المتوسط إطار عمل نظم المعلومات الصحية، الذي يتضمن ثمانية وستين مؤشرًا أساسيًا لرصد الصحة في ثلاثة مجالات، ألا وهي: المخاطر الصحية ومحدداتها؛ والوضع الصحي بما في ذلك الأمراض والوفيات؛ واستجابات النظام الصحي. وقدمت منظمة الصحة العالمية تحليلاً مفصلاً لسمات كل من هذه المؤشرات (سجل تلوي) يشمل مصدر البيانات والأداة المستخدمة للحصول عليها ومتطلبات التحليل والاستخدام الخاص بإعداد السياسات ونشرها. وعلى مدار العامين الماضيين، بدأت الدول الأعضاء في تبني المؤشرات الأساسية وإعداد تقارير بشأنها. إلا أنه وحتى تاريخه، لم تتمكن أي من هذه الدول من إعداد تقارير عن جميع المؤشرات، ومن الضروري أن تتصدى كل البلدان لهذا التحدي. وقد تم إطلاع وزراء الصحة على تقرير شامل عن الثغرات الموجودة في بيانات كل بلد، ويعقُب ذلك تقييم شامل لتحديد أولويات معالجة كل منها. وتأتي الخطوة الثانية التي يتعين على منظمة الصحة العالمية القيام، وهي تقديم الدعم التقني للبلدان تعزيزًا لنظم المعلومات الصحية بها - كل حسب احتياجاته.

أما المبادرة الثانية، التي أقرتها اللجنة الإقليمية لشرق المتوسط عام 2013، فهي تركز على تحسين تسجيل الأحوال المدنية والإحصاءات الحيوية، مع إيلاء اهتمام خاص لتعزيز إحصاءات الوفيات التي تُعزَى لأسبابٍ محددة. وكنتيجة لعمليات التقييم السريعة الشاملة والتي تمت بالتعاون مع وزارات الصحة وأصحاب المصلحة الوطنيين، أصبح هناك تصوراً شاملاً لأوجه القوة والضعف بنظم تسجيل الأحوال المدنية والإحصاءات الحيوية في كل البلدان (الشكل 3). إن الثغرات كبيرة، حيث إن أكثر من 30% من المواليد في الإقليم لم يتم تسجيلهم، كما أن نسبة الوفيات المبلغ عنها مع بيان أسبابها أقل من 20%. ولقد تم إطلاع الدول الأعضاء على الثغرات التي تعاني منها نظمها وعُرض تقديم الدعم الفني استنادًا إلى الاستراتيجية الإقليمية التي أقرتها اللجنة الإقليمية لشرق المتوسط. ومنذ إجراء عمليات التقييم، ارتفع عدد بلدان الإقليم التي تعد تقارير بشأن إحصاءات أسباب الوفيات من 7 بلاد في عام 2012 إلى 13 بلدًا في عام 2016. وعلى الرغم من ذلك، فإن كل البلدان، بصرف النظر عن إنجازاتها الحالية، عليها أن تبذل مزيداً من الجهد لتحسين دقة بيانات الوفيات الناجمة عن أسباب محددة، وهي بيانات ضرورية لرصد الصحة وأيضًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

القوى العاملة الصحية: تتضمن هذه المبادرة زيادة عدد العاملين بالرعاية الصحية وغيرهم ممن يعملون في مجال الصحة وتحتاجهم البلدان، كما تنطوي على تحسين جودة تأهيل القوى العاملة. ويعد ذلك من المجالات بالغة الأهمية بالنسبة للصحة في الإقليم. وتواجه بعض البلدان الآن صعوبة في اجتذاب عاملين في مجال الرعاية الصحية على درجة عالية من التأهيل، نتيجة لعدم الاستقرار الحالي والصراعات الدائرة والتي دفعت الكثير من المهنيين الصحيين إلى الهرب مع عائلاتهم. وفي بلدان أخرى، لا تتوافر الأجور وظروف العمل الملائمة للحفاظ على القوى العاملة اللازمة. وفي هذا الصدد، تم تطبيق عدة استراتيجيات، بالتعاون مع وزارات الصحة، من أجل تعزيز القوى العاملة الصحية.

كما أنه وبالتشاور مع الدول الأعضاء، وُضع إطار عمل إقليمي لتنمية القوى العاملة الصحية. ويوفّر هذا الإطار المسنَدَ بالبيِّنات والذي يتوافق تماماً مع الاستراتيجية العالمية للقوى العاملة الصحية، عدة خيارات لمعالجة بعض من أصعب المشكلات التي تواجه البلدان.

ويعدُّ تعزيز التعليم الطبي أمراً ضرورياً نحو تحقيق التنمية الصحية في الإقليم. وقد توقف عمل المنظمة في هذا المجال على مدار العِقد الماضي. وبُذِل عمل مكثف مع البلدان ومع الاتحاد العالمي للتعليم الطبي لإجراء تقييم واضح لوضع التعليم الطبي في مختلف البلدان، وتم وضع إطار عمل إقليمي للتصدي للتحديات القائمة، استناداً إلى الخبرة الدولية. ويمثل هذا الإطار نهجًا للارتقاء بجودة تأهيل الأطباء، بدءًا من بناء القدرات التنظيمية وتعزيزها، وتوفير المعايير والدلائل الإرشادية لكليات الطب الجديدة، وتشجيع/تعزيز مراكز تطوير التعليم، وبناء قدرات القيادات التعليمية، وإنشاء برامج اعتماد وطنية مستقلة. كما يشمل إطار العمل اجتذاب أعضاء هيئة التدريس ذوي الكفاءة والاحتفاظ بهم، وكذلك توفير الموارد الكافية للتدريب. وتم تحديد الإجراءات التي ستنفذها الدول الأعضاء على المديين القصير والطويل فيما يتعلق بكل أولوية من الأولويات، مع تقديم المنظمة لدعم تقني محدد يتلاءم مع كل من تلك الإجراءات.

ولم يقل أهمية عن ذلك وضع استراتيجية إقليمية تهدف إلى تعزيز التمريض والقبالة، حيث تقدِّم الممرضات والقابلات نسبة كبيرة من خدمات الرعاية الصحية عالميًا وإقليميًا. ولما كان الإقليم يعاني من نقص شديد في أعداد الممرضات والقابلات، فإن الاستراتيجية توصي بإجراءات استراتيجية في خمسة مجالات عمل رئيسية، ألا وهي: الحوكمة والتنظيم؛ ونظم إدارة القوى العاملة؛ والممارسات والخدمات؛ وإمكانية الحصول على تعليم عالي الجودة؛ والأبحاث.

إتاحة رعاية صحية عالية الجودة: يعتمد تقديم خدمات الرعاية الصحية الجيدة للسكان على القيم والمبادئ المتّبعة في تقديم الرعاية الصحية الأولية. وقد تم تعزيز طب الأسرة كنهج أساسي نحو تقديم رعاية أولية متكاملة في الإقليم تركز على الأشخاص، إلا أن البلدان تعاني من ثغرات وتحديات كثيرة في مجال توفير برامج مطورة بالكامل لطب الأسرة تتميز باستجابتها العالية للعوامل الديمغرافية المتغيرة وعبء الأمراض. وتضمنت الجهود المبذولة لتعزيز الرعاية الصحية الأولية استعراض الوضع وتقديم التوجيهات الاستراتيجية للبلدان وبناء قدراتها وإسداء النصح لها لزيادة تخريج أطباء الأسرة. كما تم وضع برامج وأدوات لتحسين جودة الرعاية وسلامة المرضى على كل مستويات رعاية المرضى. وتم تحديث دليل تقييم سلامة المرضى، فضلاً عن إعداد مجموعة أدوات لدعمها.

وأُدرج مجالان جديدان من مجالات العمل ضمن الأولويات الاستراتيجية لتعزيز النظم الصحية، وهما: إدارة المستشفيات ودور قطاع الصحة الخاص.

وأُجري تحليل لأوضاع مستشفيات القطاع الخاص في الإقليم ونُظِمت حلقة عمل لبناء القدرات حضرها مديرو المستشفيات من داخل الإقليم وخارجه حيث تبادلوا أفضل الممارسات المتّبعة بشأن الرعاية المقدَّمة في المستشفيات وإدارتها. وبناء على ذلك، أُنشِئت شبكة من مديري المستشفيات وصانعي السياسات تعزيزًا للتعاون في هذه المجالات.

ويعدُّ القطاع الصحي الخاص أحد الأطراف الرئيسية في تقديم الخدمات الصحية في معظم البلدان. وقد توسّع هذا القطاع بشكل سريع، إلا أنه غالبًا ما يفتقر إلى التنظيم الجيد. وربما يكون عقد شراكات مع القطاع الخاص لتقديم خدمات صحية أساسية ممولة من القطاع العام إحدى الوسائل المهمة نحو تحسين صحة السكان. ولكن حتى يتسنى تحقيق هذه الفرصة، يتعين تنظيم القطاع الخاص بصورة جيدة، استناداً إلى معايير محددة وقابلة للتنفيذ. وسيكون الإشراف الحكومي ضرورياً في هذا الشأن ولن يُقبل اتباع مبدأ عدم التدخل. وقد بدأ العمل على قطاع الصحة الخاص من خلال إجراء تحليل لأوضاعه، وتبع ذلك عقد سلسلة من حلقات العمل حول بناء القدرات وكذلك المشاورات التي تهدف إلى إشراكه في بلوغ التغطية الصحية الشاملة وتنظيم عمله.

التكنولوجيات الأساسية، بما في ذلك الأدوية: قد تكون إتاحة التكنولوجيات الصحية، بما في ذلك الأدوية واللقاحات والمستحضرات البيولوجية والأجهزة الطبية، بمثابة الفرق ما بين الصحة والأمراض المنتشرة بالنسبة للسكان أو الفرق بين الحياة والموت بالنسبة للأفراد. ولكن في العديد من البلدان، تفتقر نسبة كبيرة من السكان إلى إمكانية الحصول على التكنولوجيات الأساسية، بما في ذلك الأدوية، حيث ينطوي ضمان الجودة على مشاكل معقدة وينتشر الاستخدام غير الرشيد. وقد تكون قدرة الحكومة على التنظيم موجّهة نحو الطلب، مما قد يؤدي إلى هدر النفقات وشراء منتجات غير ملائمة. ويتزايد الإدراك بأن ضعف أداء النظم الصحية الوطنية في هذا المجال يمثل عائقًا رئيسيًا أمام التنمية الصحية.

واستجابة لذلك، أُطلقت أداة قوية لتقييم التكنولوجيا الصحية. وهذا التقييم عبارة عن عملية متعددة الاختصاصات لصنع القرار تستخدم معلومات عن المسائل الطبية والاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية والأخلاقية المتصلة باستخدام بإحدى التكنولوجيات الصحية. كما أنها تدعم صياغة سياسات صحية آمنة وفعّالة تركِّز على المرضى وتسعى نحو تحقيق أفضل قيمة وأفضل نتائج للمرضى. ويمكن لهذه الأداة تقييم التكلفة والعائد حتى يتسنى اتخاذ قرارات الشراء في نطاق الميزانية المحددة، كما أن ذلك من شأنه أن يخفض الإهدار وعدم الفاعلية اللذين ينتجان عن الاستثمارات غير الملائمة. وقد تكون مفيدة أيضًا بالنسبة للبلدان التي تسعى نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة.

وتم إعداد موجزات القطاع الصيدلاني لجميع البلدان، وهي توفِّر وصفًا مفصلاً لمكونات السياسات الوطنية الخاصة بمكافحة المخدرات، بالإضافة إلى سجل لقياس أداء المؤشرات، وتبيِّن أيضاً التحديات والأولويات التي تستوجب اتخاذ إجراءات بشأنها.

‫السبيل إلى المضي قدماً‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

يتسم إطار عمل التغطية الصحية الشاملة وعمل وزارات الصحة بالتعاون مع المكاتب القطرية بأنه أمر واعد للغاية وسيؤدي إلى تحقيق تقدُّم فعلي، حال ما إذا تم الالتزام بهذه العملية والتوسع فيها. وسيتم إيلاء اهتمام خاص للانتهاء من إعداد خارطة طريق خاصة بكل بلد نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة، بما في ذلك استراتيجيات التمويل الصحي وتقديم الخدمات. وسيتم تبادل التجارب والدروس المستخلصة سواء داخل الإقليم أو خارجه.

وسيركز العمل في المستقبل بشأن القيادة والحوكمة على تعزيز وزارات الصحة وبناء قدراتها من أجل تنظيم قطاع الصحة بشكل أفضل وإشراك قطاعات متعددة بصورة أكبر، بالإضافة إلى تحقيق لا مركزية فاعلة وزيادة المساءلة والشفافية. ومن الضروري هنا تعزيز قدرات الصحة العمومية في وزارات الصحة. وسوف يحقق برنامج القيادة من أجل الصحة، الذي كان ناجحًا على مدار عامين متتاليين، مزيدًا من الفوائد مع مرور الوقت ومع إحراز الخريجين مزيداً من التقدم في حياتهم المهنية. ويهدف البرنامج إلى تخريج قيادات في مجال الصحة العمومية من الإقليم بمعدل ثلاثين شخصًا كل عام. وتقوم الخطة على إسناد هذا البرنامج إلى أحد المؤسسات الأكاديمية في الإقليم ضمانًا لاستدامته.

والحصول على بيانات دقيقة من نظم المعلومات الصحية أمر بالغ الأهمية لتحسين صحة السكان؛ إذ يحتاج كل بلد من بلدان الإقليم إلى حشد التزام حكومي رفيع المستوى ودعم من مختلف القطاعات المعنية للوفاء بالتعهد الوارد في مبادرات نظم المعلومات الصحية، خاصة فيما يتعلق بجمع بيانات شاملة عن أسباب الوفاة. ولطالما أعربت الدول الأعضاء عن قلقها إزاء مدى صحة التقديرات المستخدمة في تقارير الأوضاع الصحية في مختلف البلدان. وتشهد طرق الحصول على هذه التقديرات تحسنًا على المستوى العالمي، إلا أنه لا يوجد بديل عن هذه التقديرات ما لم تقم البلدان بوضع أنظمة دقيقة من حيث جمع البيانات وإصدار التقارير. وتعكف منظمة الصحة العالمية على وضع منهجيات لتقييم صحة المؤشرات المبلغ بها، بحيث تساعد نتائج التقييمات البلدان في تحسين نظم معلوماتها على المستوى الوطني. وعلى جانب آخر، ينبغي أن تضع البلدان في اعتبارها الثغرات التي تواجهها عند رفع تقارير بشأن المؤشرات الأساسية الثمانية والستين الخاصة بإطار العمل الذي وضعته منظمة الصحة العالمية بشأن المعلومات الصحية الإقليمية، وكذلك تعمل على وضع خطة في هذا الشأن. ويتعين على البلدان أيضًا أن تنظر في المجالات التي يلزم تعزيزها ضمن نظم تسجيل الأحوال المدنية والإحصاءات الحيوية، وهي المجالات التي حددها التقييم الشامل وما تلاه من تقارير للمنظمة.

وتكتسي تنمية القوى العاملة الصحية أهمية بالغة في بالنسبة لأي مبادرة صحية. وقد تم إعداد استراتيجيات واضحة لبناء القوى العاملة في المستقبل، على أن تتم مناقشتها مع الدول الأعضاء في الدورة الثالثة والستين للجنة الإقليمية لشرق المتوسط. ومن الضروري الآن ضمان الدعم من القيادة السياسية والتعليمية في البلدان حتي يتسنى المضي قُدمًا في هذا المجال.

وسيستمر الدعم المقدَّم إلى كليات الطب من خلال تنفيذ إطار العمل الإقليمي للتعليم الطبي. وستتم مناقشة إطار العمل في اجتماع وزاري لقطاعي الصحة والتعليم العالي، والمقرر انعقاده في الثلاثة أشهر الأخيرة من عام 2016. ومن المتوقع أن يقوم كل بلد بمراجعة وضع القوى العاملة في مجالي التمريض والقبالة استنادًا إلى إطار العمل الإقليمي. وستتولى المنظمة تقديم الإرشاد والدعم التقنيين من خلال شبكة من الخبراء الدوليين والإقليميين.

ومن أجل تسريع وتيرة التقدَّم صوب التغطية الصحية الشاملة وتحسين سلامة المرضى، يجب أن يٌتوسع في البرامج الإقليمية الخاصة ببناء القدرات والدعم التقني والتي تهدف إلى توسيع نطاق الحصول على الرعاية الصحية، بما في ذلك تحسين الرعاية الأولية من خلال التوسع في ممارسات طب الأسرة. وتأتي مشاركة قطاع الصحة الخاص كأحد المكونات الرئيسية في مسار تحقيق التغطية الصحية الشاملة. وسيستمر عمل المنظمة في الثنائية 2016-2017 على توفير الإرشادات الخاصة بتعزيز دور القطاع الخاص من أجل المضي صوب بلوغ التغطية الصحية الشاملة وتنظيمها.

وقد بدأت بالفعل اجتماعات بين البلدان حول تقييم وتنظيم التكنولوجيات الأساسية، وذلك بغرض وضع مبادئ توجيهية دعمًا للدول الأعضاء. وعلى البلدان أن تنتهي من وضع خطط العمل، ثم تنفيذها، للبدء تقييم التكنولوجيات الصحية وإدارتها. وستواصل المنظمة بناء القدرات وتقديم الدعم التقني في كل خطوة نحو التنفيذ الكامل للتقييم في البلدان. وعلاوة على ذلك، فمن المحتمل أن يبدي المانحون الدوليون اهتماماً بدعم عمليات تقييم التكنولوجيات الصحية وتنظيمها.


تحدَّدت المجموعات الثلاث بناء على النتائج الصحية للسكان وأداء النظام الصحي ومستوى الإنفاق على الصحة: 1) البلدان التي شهدت التنمية الاجتماعية والاقتصادية بها تقدُّماً يُعْتَدُّ به على مدار العقود الأربعة الماضية، مدعومةً بارتفاع معدلات الدخل؛ 2) البلدان المتوسطة الدخل بشكل عام التي أقامَت بنيَة أساسية واسعة للصحة العمومية ولكنها تواجه صعوبات في الموارد؛ 3) البلدان التي تواجه صعوبات في تحسين النتائج الصحية للسكان نتيجةً لنقص الموارد، وعدم الاستقرار السياسي وغيرها من التحدِّيات الإنمائية المعقّدة.