القاهرة، 31 آذار/مارس 2021- يعاني إقليم شرق المتوسط من إجحافات صحية صارخة، استمرت فترةً طويلةً، ثم جاءت جائحة كوفيد-19 لتزيد العبء الثقيل الذي ينوء به الإقليم من انعدام المساواة؛ هذا ما أورده تقرير جديد أعدته اللجنة المعنية بالمُحدِّدات الاجتماعية للصحة في إقليم شرق المتوسط بدعمٍ من التحالف من أجل بحوث السياسات والنُّظُم الصحية، ومعهد الإنصاف في مجال الصحة بجامعة لندن.
والتقرير المعنون «إعادة البناء على نحو أكثر عدلًا: تحقيق الإنصاف الصحي في إقليم شرق المتوسط» يعرِض أفكارًا جديدة عن حالة الإجحافات الصحية في الإقليم، ويحثُّ البلدان على اتخاذ إجراءات لمعالجة المحددات الاجتماعية للصحة بهدف تغيير اتجاه الإجحاف المستفحِل الذي فاقمته أكثر جائحةُ كوفيد-19، والنزاعات المستمرة، والتحركات الجماعية للسكان، والتحديات البيئية، وأوجه عدم المساواة بين الجنسين.
وقال الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط: «ما من سببٍ بيولوجي يدعو إلى الاختلافات الصارخة في فرص الحياة المتاحة للناس في إقليمنا. وأوجه عدم المساواة في مجال الصحة جلية منذ بداية الحياة؛ إذ تتراوح وفيات الأطفال دون سن الخامسة بين 7 وفيات و128 وفاة لكل 1000 ولادة حية، ويتفاوت متوسط العمر المتوقع للرجال بين 54 و79 سنة، وللنساء بين 57 و80 سنة. وتسود الإجحافات في السلطة والمال والموارد. وهذه هي ما نُطلِق عليها المحددات الاجتماعية للصحة، وعلينا أن نعالجها لتحسين صحة الناس». وأضاف الدكتور المنظري: «ويشير هذا التقرير إلى أن الآثار المترتبة على كوفيد-19 ستزيد التفاوتات الصحية، ما لم تُتخَذ تدابير فورية أساسها الإنصاف للتخفيف من هذه الآثار وتكييفها».
ويناقش التقرير كيف أن الإصابة بكوفيد-19 والوفيات الناجمة عنه ترتبط بالمهنة والوضع الاجتماعي والاقتصادي والحالات الصحية الموجودة من قبل، وهي عوامل ترتبط غالبًا بانخفاض الحالة الاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من أن إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط يسجِّل عددًا منخفضًا نسبيًّا من الوفيات الناجمة عن كوفيد-19، مقارنةً بأقاليم المنظمة الأخرى، فمن المتوقع أن يكون لسياسات الاحتواء أثر طويل المدى على الصحة، خاصةً في صفوف الفئات الأفقر والأكثر تعرضًا للمخاطر.
ويؤثر النزاع وانعدام الأمن على أكثر من نصف البلدان في إقليم شرق المتوسط، وهما السبب في معظم الوفيات التي وقعت في العالم من جراء النزاعات. أضف إلى ذلك عبئًا ثقيلًا من الإصابات المرتبطة بالنزاعات والإعاقات الناجمة عنها، وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض السارية وغير السارية، وسوء الصحة النفسية؛ وهذه العوامل مجتمعةً لها آثار سلبية واسعة النطاق على الفرص السانحة لتحسين الإنصاف الصحي.
وترتبط الإجحافات الصحية ارتباطًا مباشرًا بغياب العدالة الاجتماعية، وما لم تُتخَذ تدابير تضمن توزيعًا أكثر إنصافًا للثروة، ورغبة أكبر من الحكومات في زيادة الإنفاق على الصحة ومعالجة المحددات الاجتماعية للصحة، فسوف تزيد حتمًا الإجحافات الصحية في الإقليم.
كما تُمثِّل البطالة وظروف العمل السيئة تحديات خطيرة للصحة. فالعاملون في الاقتصاد غير الرسمي، الذي لا تشرف عليه الحكومات، محرومون من حقوق العمل ووسائل الحماية، وتؤدي ظروف العمل السيئة إلى عواقب كارثية على الصحة على المدى البعيد. والنساء والأطفال والمهاجرون لأسباب اقتصادية واللاجئون هم ضمن بعض الفئات الضعيفة التي تعمل في هذا القطاع غير الرسمي.
ووفقًا لمؤشر عدم المساواة بين الجنسين (2018) الذي نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سجَّل إقليم شرق المتوسط - من بين جميع أقاليم المنظمة - ثالث أعلى المستويات في أوجه عدم المساواة بين الجنسين، التي تؤثر هي أيضًا تأثيرًا جسيمًا على الحصائل المرتبطة بالصحة والتعليم والعمل والدخل.
وفي حين يسلِّم التقرير بأهمية التنوع الثقافي والديني، فإنه يدرس السُّبُل التي تتَّبعها المجتمعات في التصدي للإجحافات الصحية، وما يرتبط بها من قضايا مثل نزوح السكان والهجرة، وينظر في كيف يمكن أن تؤدي التفسيرات الدينية الخاطئة إلى وصم مجموعات معينة من المرضى، ومن ثَم، إلى نتائج صحية أسوأ. ويقول التقرير إن المعتقدات الثقافية والمجتمعية التي تروج لقوالب نمطية تعوق التنمية أيضًا، وتحدُّ من نطاق الفرص المتاحة أمام الناس للاستفادة من كامل إمكاناتهم الصحية.
والمناخ والبيئة أيضًا مؤشران من مؤشرات الحصائل الصحية السيئة، ومع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة وانخفاض معدلات هطول الأمطار، سيكون أكثر المتضررين مرة أخرى هم مَن يعيشون في فقر و/ أو في مستوطنات حضرية مكتظة، ومنهم المهاجرون واللاجئون.
وتابع الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية قائلًا: «واعترافًا بالإجحافات في الصحة ومحدداتها الاجتماعية، فإن إعادة البناء على نحو أكثر عدلًا ستعني أن تكون النظم الصحية والاجتماعية أكثر إنصافًا حتى تتحقق رؤيتنا الإقليمية (الصحة للجميع وبالجميع). وتشمل الخطواتُ المستقبلية ضمانَ التغطية الشاملة بالخدمات الصحية الأساسية، وإرساءَ آليات للحماية المالية لحماية الناس من العواقب الوخيمة لاعتلال الصحة. والقضاء على التمييز ضد المرأة مطلبٌ أساسي لتحسين المحددات الاجتماعية للصحة في أي مجتمع. ولا بد من مراعاة هذه المحددات الاجتماعية في الاستجابة لكوفيد-19 وفي الاستجابات للنزاعات، ومعالجة الإجحافات الكامنة والجمع بين الأطراف المتنازعة، وبذلك نستطيع أن نُمهِّد الطريق أمام إعادة البناء على نحو أفضل وأكثر عدلًا».
وهذا التقرير، الذي أعدته نخبةٌ من الخبراء العالميين والإقليميين بقيادة البروفيسور السير مايكل مارموت، رئيس اللجنة المعنية بالمحددات الاجتماعية للصحة والصوت العالمي البارز في الدفاع عن الإنصاف في مجال الصحة، قد قُدِّم إلى الجهات صاحبة المصلحة اليوم في القاهرة. وقد ألقى كلمةً في الاجتماع كلٌّ من الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، والدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، ومعالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي، وزير الصحة العُماني، والسيد تيد شيبان، المدير الإقليمي لليونيسف عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.