بيان المدير الإقليمي خلال جلسة إعلامية للإحاطة

19 كانون الأول/ ديسمبر 2023 

أشكركم على الانضمام إلى هذه الإحاطة الإعلامية، وهي الإحاطة الأخيرة لي قبل نهاية العام. أتحدث إليكم اليوم وقلبي يمتلئ حزنًا على ما أشهده، وتشهدونه جميعًا، من معاناة لا يتصورها إنسان.

فإقليمنا، الذي يزيد عدد سكانه على نصف مليار نسمة، يضم 38% من سكان العالم المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية، أي أكثر من 140 مليون إنسان.

وهذا العدد يمثل المآسي اليومية التي يعيشها الناس في سوريا وأفغانستان والمغرب بعد الزلازل، والأهوال التي يعيشها الشعب الليبي بعد الفيضانات الكارثية، والجفاف في القرن الأفريقي، والتفاقم السريع في الصراع في السودان، وبطبيعة الحال، الأزمات الإنسانية في غزة التي ما زالت تتكشف أبعادها القاسية غير المسبوقة. 

في الأسبوع الماضي، عقد المجلس التنفيذي للمنظمة دورة طارئة استثنائية بشأن الوضع الصحي في الأرض الفلسطينية المحتلة بناءً على طلب 17 دولة من الدول الأعضاء.

وكانت هذه هي المرة الأولى منذ بدء الصراع التي يتوصل فيها المجتمع الدولي إلى توافق في الآراء بشأن الوضع في غزة، بإصدار قرار يدعو إلى تقديم المساعدات الإنسانية الفورية باستمرار وبلا عوائق.

وبرغم ذلك القرار، وبرغم الجهود المتواصلة التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني في جميع أنحاء العالم، فإن العنف الوحشي لا يزال مستمرًّا بلا هوادة. وما لم يتوقف هذا الصراع فورًا، فلا سبيل لتلبية احتياجات الناس على نحو كافٍ.

لقد دعت المنظمة باستمرار، وما زالت تدعو، إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار.

ومنذ أسابيع، والمدير العام للمنظمة، الدكتور تيدروس، يحذِّر من أن الأحوال المعيشية وافتقاد الرعاية الصحية يمكن أن يؤديا إلى وفيات تفوق الوفيات التي تسببها القنابل.

وهذه المخاطر لم تزدد إلا شدةً بمرور الوقت.

ولم يقتصر الأمر على عدم حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرافق الصحية، بل وصلنا إلى تعرُّضهم لهجمات، كما حدث مؤخرًا في مستشفى كمال عدوان وقصف مستشفى ناصر في جنوب غزة.

وفي 16 كانون الأول/ ديسمبر، شارك موظفو المنظمة في بعثة مشتركة للأمم المتحدة إلى مستشفى الشفاء، الذي كان فيما مضى أحد مراكز الإحالة الرئيسية لنظام الرعاية الصحية في غزة، لتوصيل الإمدادات الصحية.

ووصف موظفونا ما شاهدوه بأنه "حمام دم"، وقالوا إن قسم الطوارئ في المستشفى ممتلئ بالمرضى الذين يفترشون الأرض. 

ولأول مرة، هناك تقارير عن اعتراض الأهالي للشاحنات التي تحمل الطعام قبل تسليمها، وهو أمر لم يحدث من قبل، ويدل على وطأة الجوع في غزة.

ووفقًا لتقييم نشره برنامج الأغذية العالمي مؤخرًا، فإن أكثر من 90% من الأسر تنام وهي لا تجد ما يخفِّف جوعَها، و63% منها تقضي يومًا كاملًا بلا طعام.

وأنا أناشد العالم أن تسود الإنسانية، وأكرر مجددًا دعوة المنظمة لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية والمساعدات الإنسانية في قطاع غزة.

إن التحايل على حق الإنسان الأساسي في الصحة له تبعات هائلة ستدوم سنواتٍ، ويمثل سابقةً لتجاهل قيمة الإنسانية نفسها.

وعندما كان فريقنا في مستشفى الشفاء، طلب منهم الكثيرون في المستشفى أن ينقلوا للعالم ما يحدث، على أمل أن يهبَّ البعض لتخفيف معاناتهم قريبًا.

ولكن المؤسف أن المسؤولين عن نقل الأخبار يتعرضون للقتل أيضًا. وأود هنا أن أتقدم بخالص تعازيَّ للإعلاميين الذين فقدوا 64 من زملائهم.

وبينما تتواصل المأساة في غزة أمام أعين العالم، وقعت أحداث مؤخرًا زادت إلحاحَ مخاوفنا جميعًا.

فهناك هجمات بطائرات بدون طيار في البحر الأحمر، وطائرات عسكرية فوق بيروت، وهجمات إسرائيلية على ريف دمشق، وكلها تطورات تثير قلقًا بالغًا. ومثل تلك الحوادث لا يقتصر أثرها على تفاقم الأزمات القائمة فحسب، بل تنبهنا إلى احتمال وقوع كارثة إنسانية قد تعصف بالمنطقة بأسرها.

وفي الوقت نفسه، فإن المنظمة لا تنسى شعوبًا أخرى تعاني، منها شعب السودان واليمن والصومال وليبيا وسوريا وأفغانستان.

ولكننا في غاية القلق بسبب التدهور السريع للموقف في السودان، الذي يشهد الآن أكبر موجة نزوح للأطفال في العالم.
وهناك زيادة مروعة في عدد النازحين بسبب الصراع. ومن بين هؤلاء، فإن 300 ألف من النازحين الذين كانوا قد لجأوا إلى ولاية الجزيرة اضطروا إلى النزوح مرة أخرى منذ اندلاع الاشتباكات في تلك المنطقة في 15 كانون الأول/ ديسمبر.

وبعد ثمانية أشهر من تفاقم النزاع، أصبح النظام الصحي مُنهَكًا إلى حد الانهيار، لأن قدرات هذا النظام تتراجع في وقت تزيد فيه الاحتياجات زيادة بالغة.

أما في دارفور، في غرب السودان، فإن الموقف يمثل كارثة. ولا يمكن للشركاء الدوليين الوصول إلى المحتاجين إلا من خلال عمليات عالية المخاطر تنطلق من دولة تشاد المجاورة.

وفي ولاية الجزيرة، تدهورت الأحوال الصحية والإنسانية بشدة بسبب تكثيف العمليات العسكرية. ونتيجة لذلك، كان لا بد من تعليق العمل مؤقتًا في مركز عمليات المنظمة في ود مدني، عاصمة الولاية، والذي كان يمثل عصب الاستجابة الصحية في الخرطوم والولايات المحيطة به منذ بدء الصراع.

يعاني ملايين السودانيين من جوع وصل إلى حد الكارثة. فهناك ما يقرب من 17.7 مليون إنسان في شتى أنحاء السودان يعانون من انعدام تام في الأمن الغذائي، منهم 4.9 ملايين على شفا المجاعة. وقد ارتفعت تقديرات إجمالي المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية في عام 2023 من 15.8 مليون إنسان إلى 24.7 مليونًا.

إن المنظمة لن تنسى أبدًا وضْع الناس الذين تَعِد بخدمتهم في أحلك الأوقات، والوقوف إلى جانبهم في أصعب اللحظات. ولكننا نحتاج، كي نؤدي عملنا، إلى الموارد وإلى القدرة على الوصول إلى المحتاجين بأمان.

ولا يعقل أن ينزف إنسان حتى الموت، أو أن يموت وهو في انتظار الأطباء القلائل الذين نجوا من القتل الذي طال الكثيرين منهم.

وفي حين أصبحت الفظائع الجماعية في السودان أمرًا معتادًا، فإن الكوليرا، التي يمكن أن تقتل في غضون ساعات، تنتشر في تسعة بلدان في إقليمنا، وتؤثر على الأطفال دون سن الخامسة أكثر من غيرهم.

وفي السودان وحده، انتشرت فاشية الكوليرا الفتاكة في 9 ولايات من أصل 18 ولاية في البلاد.

وأقل ما تُوصف به فاشية الكوليرا هو أنها تبعث على القلق الشديد.

وفي خضمِّ ذلك، نجد بادرة مشجعة، ألا وهي توقيع أكثر من 130 بلدًا على إعلان الإمارات العربية المتحدة بشأن المناخ والصحة، في الدورة 28 لمؤتمر الدول الأطراف.

وهذا بصيصٌ من الأمل للبلدان في إقليمنا التي تتحمل وطأة الكوارث المناخية، كما رأينا في الصومال وليبيا وباكستان في عام واحد تقريبًا. 

ومع اقتراب العام من نهايته، فإن قلبي مع زملائنا في الأونروا، وكُلِّي حزنٌ على فقدان 135 من العاملين فيها، وعلى فقدان زميلتنا العزيزة في المنظمة ديما الحاج، التي قُتلت مع عائلتها، وكذلك طفلها البالغ من العمر ستة أشهر.

فكل هؤلاء ضحُّوا بحياتهم من أجل الإنسانية، وسأذكرهم دائمًا في دعائي.

وفي خضمِّ القتال المشتعل، يبذل العاملون في المنظمة ووكالات الأمم المتحدة وجميع الجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني، فضلًا عن وسائل الإعلام، كل ما في وسعهم لمد يد العون إلى الفئات الأكثر تضررًا من الصراع. وأود أن أعرب عن خالص شكري لجميع موظفينا في الميدان الذين أصبحوا قدوة عظيمة بتفانيهم وإنسانيتهم.

وعلى الرغم من الشعور بالعجز الذي يسود في هذه الأيام، فإنني متمسك الأمل، وأختتم كلامي بالأمل في أن يعيش إقليمنا وشعبُه حياة يتمتع فيها بالأمان والكرامة والازدهار.

إن إقليم شرق المتوسط يستحق التعاطف من العالم، وأن ينظر المجتمع العالمي إلى شعوب هذا الإقليم على أنهم بشر، وليس مجرد أرقام تتغير على شاشات التلفزيون. ونحتاج من دول الإقليم، ولا سيَّما تلك التي تتمتع بالاستقرار الاقتصادي، مثل دول الخليج، أن تدعم بقية الدول الأعضاء التي تمر بأوقات عصيبة تجعلها في أشد الحاجة إلى الدعم.

إن شعوبنا مثل بقية الشعوب تستحق حياة تتجاوز مجرد النجاة من الموت، وتُحترم فيها حقوق الإنسان، كما تستحق الأمل في التطلع لمستقبل لأطفالها، وأن تنام ليلًا وهي تأمل في غدٍ واعد.

خالص الشكر على جهودكم، وأتمنى أن يكون عام 2024 وما بعده أفضل للإقليم.