15 أيلول/سبتمبر 2020 - إن الوضع الحالي في إقليم شرق المتوسط مُقلقٌ بشدة، إذ يزداد عدد حالات الإصابة كل يوم. كما أن الزيادة الكبيرة لأعداد الحالات في بعض البلدان، مثل العراق، والمغرب، وتونس، والإمارات العربية المتحدة، تثير قلقاً بالغاً، وتُسلِّط الضوءَ على الحاجة المُلِحّة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامةً.
وهذا الارتفاع المفاجئ في أعداد الحالات أمر متوقّع بسبب قيام البلدان بتخفيف القيود بعد أشهر من فرض الحظر الشامل، وما صاحب ذلك التخفيف من زيادة تنقل السكان، إلا أن الحكومات لا يسعها أن تواصِل الاستجابة على النحو الذي تقوم به منذ بداية الجائحة.
فلم يعد يكفي أن تقتصر الاختبارات على الأشخاص الذين يتوجهون إلى المستشفيات والعيادات وتظهر عليهم بالفعل أعراض الإصابة. وكلما ارتفع عدد الأشخاص الذين يخضعون للاختبار، ارتفع عدد الحالات التي تُكتشف وتُعزل بشكل ملائم. وكلما ارتفع عدد المخالطين الذين يجري تتبُّعهم، زادت فعالية جهود احتواء العدوى.
ويجب على الأفراد والمجتمعات التحلي باليقظة دائماً. كما يتعين علينا إيجاد سُبُلٍ للتصدي لعودة ظهور حالات كوفيد-19، وللحد من انتشار العدوى. فلا يزال ملايين الناس في خطر. ولا بد من الالتزام الصارم بالتدابير الاجتماعية، مثل ارتداء الكمامات، والحفاظ على التباعد البدني، واتباع تدابير النظافة الشخصية الصحيحة. ومهما قُلْتُ لن أكون مُبالِغاً في التشديد على أهمية هذا الأمر.
وإلى جانب كوفيد-19 وهذه التطورات الأخيرة المثيرة للقلق، يوجد أمرٌ مُقلق آخر، وهو أنه مع زيادة انتشار الجائحة على مدار الأشهر الماضية، أصبحت الخدمات الصحية محدودة بسبب انشغال مزيد من العاملين الصحيين والمرافق الصحية بالتصدي لكوفيد-19. ونتيجةً لذلك، انخفضت الأولوية الممنوحة للخدمات الصحية الأساسية، مثل التمنيع، وعلاج الأمراض المزمنة، والصحة الإنجابية، وخدمات صحة الأسنان، وغيرها الكثير.
وازداد الأمر سوءاً بسبب حظر الخروج الذي فرضته بلدان كثيرة في بداية الجائحة، مما أدى إلى فرض قيود كبيرة على التنقل، والخوف من التعرض للعدوى بكوفيد-19 في المرافق الصحية، وانتشار الوصم الاجتماعي، وكثرة الشائعات.
كما أن كثيراً من العاملين في مجال الرعاية الصحية كانوا يخشون من عدم توفير الحماية الكافية لهم من كوفيد-19 بسبب عدم وجود ما يكفي من معدات الوقاية الشخصية، بالإضافة إلى محدودية التدابير الأخرى، مما أدى إلى نقص عدد العاملين في مرافق الرعاية الصحية.
وإضافةً إلى ذلك، تعذَّر توصيل الأدوية والمعدات واللقاحات الأساسية بسبب إغلاق كثير من الموانئ، مما تسبب في نقصها بشكل كبير في بعض البلدان.
وكان إقليمنا، بوجه عام، من أكثر أقاليم المنظمة التي شهدت اضطراباً في الخدمات الصحية الأساسية منذ بداية جائحة كوفيد-19.
وفي مسح أجرته المنظمة مؤخراً، تبيَّن أن الخدمات الصحية الأساسية توقفت جزئياً أو كلياً في ما يقرب من نصف بلدان الإقليم. وتشمل هذه الخدمات علاج ارتفاع ضغط الدم، والعناية العاجلة بالأسنان، وخدمات الرعاية المُلطِّفة، وخدمات الربو، وخدمات إعادة التأهيل، والتدبير العلاجي للسكري والسرطان. كما توقفت جزئياً أو كلياً خدمات الطوارئ الخاصة بالقلب والأوعية الدموية في أكثر من ربع جميع البلدان.
ومع استمرار انتشار الجائحة، من المرجح أن يشتد تأثيرها على الخدمات الصحية الأساسية.
وفي بداية الجائحة، ومع تزايد وضوح أثرها على الخدمات الصحية الأساسية، كانت منظمةُ الصحة العالمية تُوصي بشدة بأن تتَّبع البلدانُ نُهُجاً مبتكرة لتضمن استمرار هذه الخدمات.
وها أنا اليوم أناشد مرة أخرى جميع البلدان أن تبذل جهوداً حثيثةً لضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية الأساسية، مع الاستجابة في الوقت نفسه لجائحة كوفيد-19.
وقد استطعنا في المكتب الإقليمي تكوين قدرات مُخصَّصة ضمن فريقنا الإقليمي المعني بالاستجابة لكوفيد-19 لضمان تقديم الدعم إلى البلدان لكي تحافظ على تقديم الخدمات الصحية الأساسية بينما تواصل معركتها مع كوفيد-19.
وقبل أن نتلقى أسئلتكم، فإن زميلتي، الدكتورة رنا الحجة، مديرة إدارة البرامج، ستُحدثكم باستفاضة أكبر عن عملنا في هذا المجال. كما أن زميلي، الدكتور عوض مطرية، مدير التغطية الصحية الشاملة والنظم الصحية، موجودٌ معنا للإجابة عن أسئلتكم حول هذا الموضوع.
إن الهدف الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية والحكومات والمجتمعات المحلية هو ضمان الصحة للجميع وبالجميع، والعافية من جميع الأمراض. ويجب ألا يتسبب توجيه جهودنا نحو كوفيد-19 في أن نخسر المكاسب الأخرى التي حققناها، تاركين مَنْ هم في أمس الحاجة إلى الخدمات الصحية الأساسية ومَنْ يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل ضعف إمكانية حصولهم على العلاج أو الرعاية الطبية. فإلى جانب التصدي لكوفيد-19، هناك كثير من الأمور التي يجب علينا جميعاً القيام بها لنضمن حماية صحة جميع الناس وعافيتهم.