الصومال: إنهاء شبح الكوليرا

الصومال: إنهاء شبح الكوليرا الدكتور مطاوع لوبوغو يعطي لقاح الكوليرا الفموي لعامل صحي خلال حملة عام 2017 (الصورة: من منظمة الصحة العالمية)

عندما يتحدث الدكتور مطاوع لوبوغو عن عمله، فإن الحماس يلّون صوته ويضيء التألق عينيه. والدكتور لوبوغو، الذي يعمل مع منظمة الصحة العالمية خبيرًا في مجال الكوليرا في الصومال، شغوف بمكافحة الأمراض المعدية في البلاد. ويقول: "حاول تذكر أي وباء، وستعثر عليه في الصومال". ويضيف "إن الناس يواجهون فاشيات الكوليرا والدفتريا وحمى الضنك - وهذا فقط في أجزاء البلاد التي تعتبر آمنة بما فيه الكفاية لزيارتها، حيث نعرف ما يجري هناك. لكن قد تكون هناك أمراض أخرى في مناطق يتعذر الوصول إليها".

وفي الصومال، يقول الدكتور لوبوغو، ما يقرب من ثلثي السكان لم يحصلوا على خدمات صحية حديثة على مدى السنوات الثلاثين الماضية. وألحقت الحرب الأهلية المستمرة ضررًا جسيمًا بالخدمات الصحية في الصومال. فدمرت المستشفيات والمراكز الصحية، وأجبرت المهنيين الطبيين على الفرار من الخطر، وحطمت البنية الأساسية الداعمة مثل الطرق وخدمات الاتصالات. بالإضافة إلى ذلك، تواجه غالبية مناطق البلاد دورة سنوية من الفيضانات ومواسم الجفاف الشديد، مما يؤدي بدوره إلى انعدام الأمن الغذائي والمجاعة والهجرة الجماعية. وهذه الظروف المزرية توفر تربة خصبة لانتشار الامراض المعدية.

Somalia_cholera_distribution

الشكل 1. توزيع حالات الكوليرا في الصومال، من كانون الثاني/يناير 2018 إلى 2019 شباط/فبراير (المصدر).
من أين يبدأ المرء مع وجود الكثير من التحديات الساحقة التي يجب معالجتها؟ بالنسبة للصومال، كانت مكافحة الكوليرا أولوية من أهم الأولويات. يقول الدكتور لوبوغو: "إذا كنت تبحث عن مرض مميت للغاية وفي نفس الوقت يسهل علاجه والوقاية منه، فالكوليرا هو هذا المرض المستهدف". فمنذ بدء الفاشية الحالية للكوليرا في كانون الأول/ديسمبر 2017، أبلغت الصومال عن اكتشاف 6817 حالة ووقوع 46 وفاة. وبرغم تراجع فاشية المرض في اليمن القريب، إلا أن الفاشية تعد سببًا ملحًا لإثارة قلق منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية، نظرًا لضعف حالة النظام الصحي وقابلية السكان للإصابة بالمرض في الصومال.

وعلى الرغم من تعقيد الأسباب الهيكلية والسياسية لفاشيات الكوليرا في غالبية الأحوال، فإن معالجتها والوقاية منها أمران بسيطان نظريًا: ويعتمد كلاهما على الحصول على المياه المأمونة. ويقول الدكتور لوبوغو: "يوجد في الصومال 13 مليون نسمة، يتعرض منهم نحو 6 ملايين لخطر الإصابة بالكوليرا، ويتعرض مليونان لخطر الإصابة الوخيم. ويعيش جزء كبير من المعرضين لخطر وخيم في مخيمات اللاجئين، ونظرًا لتغيير مواقع المخيمات المستمر، يصبح من الصعب والتعقيد إنشاء بنية أساسية عالية الجودة ودائمة للمياه والآبار ومصادر المياه المحمية وأنابيب إمدادات المياه".

Somalia_OCV_handwashingامرأة تغسل يديها خارج مركز علاج الكوليرا في مستشفى بنادير في مقديشو، الصومال. (الصورة: من كاريل برينسلو/أريت/غافي)

ولكن توجد خطة. لقد انطلقت خارطة طريق عالمية لإنهاء الكوليرا في العام الماضي. وفي هذه الخطة، حددت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها في فرقة العمل العالمية لمكافحة الكوليرا هدفًا يتمثل في خفض الوفيات الناجمة عن الكوليرا بنسبة 90٪ في الإحدى عشرة سنة القادمة، عن طريق تحسين الترصد والإنذار المبكر والتمنيع بلقاح الكوليرا الفموي. وكما قال الدكتور دومينيك ليغروس من منظمة الصحة العالمية في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، "القول بإن في إمكاننا إنهاء الكوليرا لا يعتبر قولًا فارغًا على الإطلاق".

Somalia_cholera_interventionsالشكل 2. التدخلات متعددة القطاعات لمكافحة الكوليرا (المصدر).

ويمثل اللقاح الفموي للكوليرا جزءًا هامًا من تلك الخطة. لقد أثبت اللقاح الفموي جدارته في الصومال: ففي عام 2017، تلقى هذا اللقاح 1.2 مليون صومالي تتراوح أعمارهم بين عام واحد وأكبر من عام، في مواقع مختلفة من النقاط الساخنة التي تقع فيها فاشيات المرض الفتاك عامًا بعد عام. ‏وماذا كانت النتيجة؟ انخفضت حالات الكوليرا بنسبة 75٪، وجميع الحالات الجديدة المبلغ عنها حاليًا هي لأشخاص لم يتلقوا اللقاح. ويجري حاليًا توسيع نطاق هذا البرنامج الناجح، ليستهدف 650000 شخص آخر في نهاية نيسان/أبريل 2019.

Somalia_cholera_epi_curveالشكل 3. حالات الكوليرا في الصومال، من كانون الأول/ديسمبر 2017 إلى شباط/فبراير 2019 (المصدر).

وبرغم نجاح اللقاح الفموي، لكنه ليس كافيًا كعلاج شافٍ. ولكن اللقاح يوفر، عوضًا عن ذلك، حماية تمتد ثلاث سنوات مما يتيح حيزًا من الوقت لتنفيذ برامج صحية أخرى، فضلاً عن تنفيذ تدابير المياه المأمونة والإصحاح. ويمكن للصومال أن يتباهى مرة أخرى بنتائجه الواعدة في هذا الصدد؛ وفي جميع حملات اللقاح الفموي، تعاونت منظمة الصحة العالمية مع شركائها، وجمعت بين حملات التلقيح والتثقيف الصحي وتدخلات المياه المأمونة. ونتيجة لذلك، يتمتع أيضًا 75٪ من الأشخاص في المناطق المحصّنة الآن بإمكانية أفضل للحصول على المياه المأمونة.

وسيكون العامان المقبلان حاسمين لإنهاء فاشية الكوليرا في الصومال. وعلى الرغم من أن المسيرة لا تخلو من العقبات، فإن نجاح حملة اللقاح الفموي في عام 2017 وتوسيع نطاقها كما هو مخطط لها يبشران بصومال خالٍ من الكوليرا. وإذا نجح الدكتور لوبوغو في شق طريقه، فسيصبح قريبًا هذا المرض الفتاك شبحًا من الماضي في كل الصومال.