الخاتمة

لقد هيّأ عام 2012 الفرصة أمام الدول الأعضاء والمنظمة للاتفاق على التحدّيات الرئيسية التي تجابه التنمية الصحية في الإقليم. ويشير التقييم المتعمِّق والموضوعي للوضع الصحي في البلدان بوضوح إلى الأولويات في التعاون التقني مع المنظمة، وهي الأولويات التي أقرَّتها اللجنة الإقليمية. ويتناول هذا التقرير التحدّيات الراهنة التي تقف كحجرة عثرة أمام تقوية النُظُم الصحية، وصحة الأمهات والأطفال، ومكافحة الأمراض غير السارية والوقاية منها، والبرامج المتعلقة بالأمراض السارية والتي لم يتم الانتهاء منها بعد، والتأهب للطوارئ والاستجابة لمقتضياتها، وإصلاح المنظمة. ولقد أشَرتُ كذلك في ثنايا هذا التقرير إلى الإجراءات الاستراتيجية التي اضطلعت بها المنظمة والدول الأعضاء في عام 2012 بهدف التصدي لبعض من هذه التحدّيات في سياق برامجهما المشتركة.

إننا نسعى دائماً إلى استكمال العمل مستندين إلى ما توصلنا إليه من بيِّنات، وما اكتسبناه من خبرات، وما اضطلعنا به من أعمال قيِّمة في العقود السابقة. وفي العامَيٍْن الماضيَيْن تم الاتفاق، على الصعيد العالمي، على خرائط طريق واضحة للغاية حول سُبُل التعامل مع الأولويات الصحية الرئيسية. وقد أعربت الحكومات والمانحون والشركاء بوضوح عن التزامهم باتباع خرائط الطريق الموضوعة، سواء أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو جمعية الصحة العالمية، أو غيرها من المحافل الدولية. ولقد تم وضع خطوط الأساس والأهداف التي يمكن قياس مدى تقدمنا على أساسها في مختلف الوثائق التقنية التي عرضت على اللجنة الإقليمية، وفي خطط كل قُطر على حدة، سواء تلك التي تم إعدادها بالفعل في كل مجال من المجالات، أو التي هي قَيد الإعداد. ومن ثَمَّ فإن التحدي الماثل أمام الدول الأعضاء يتمثَّل في المبادرة باتخاذ تدابير ملموسة لتنفيذ خرائط الطريق الموضوعة، والوفاء بمختلف الالتزامات العالمية. أما نحن في المنظمة، فيتمثَّل التحدّي الماثل أمامنا في ضرورة تعزيز جهودنا من أجل تقديم المزيد من الدعم التقني للبلدان.

ففي مجال تقوية النُظُم الصحية، سيتم التركيز على قيادة القطاع الصحي، وتصريف الشؤون (الحَوْكمة) وإعداد خريطة طريق لبلوغ التغطية الصحية الشاملة وتنفيذها، وضمان توفير قوى عاملة متوازنة تماماً في مجال الصحة، وسُبُل الحصول على الأدوية والتكنولوجيا الأساسية، ووضع شبكة متكاملة من مرافق الرعاية الصحية الأولية. ويتعين دعم النظام الصحي ومساندته من خلال نظام قوي للمعلومات الصحية يتضمن تسجيل الأحوال المدنية والإحصاءات الحيوية. وسيتم التأكيد بشكل خاص على تشجيع تطوير هذه المجالات. وينبغي كذلك تقوية الآليات اللازمة للتعاون بين مختلف القطاعات لدعم جهود القطاع الصحي المبذولة في جميع المجالات، بما في ذلك القطاع الخاص.

وفي سياق تعزيز الصحة في جميع مراحل العمر، سيتم إعطاء الأولوية لتسريع وتيرة العمل على إحراز المرمى 4 والمرمى 5 من المرامي الإنمائية للألفية. وهذا يعني بدوره إعداد وتنفيذ خطط وطنية تؤدِّي إلى تقليص وفيات الأطفال والأمهات في البلدان العشرة التي ترزح تحت أثقل الأعباء، كما يعني حشد الموارد اللازمة لدعم تنفيذ هذه الخطط. وبطبيعة الحال ستسعى هذه الخطط إلى استنهاض تنفيذ التدخلات العالية المردود، وإعطاء الأولوية للمناطق الجغرافية التي تعاني من نقص الخدمات، والتعاطي مع عدم المساواة في تلبية الاحتياجات الصحية للأمهات والأطفال، وذلك إما من خلال النظام الصحي نفسه أو بالتعاون مع القطاعات الأخرى. ويتعيَّن كذلك إيلاء المزيد من الاهتمام للوقاية من الإصابات ولاسيَّما بين الأطفال وعلى الطرق.

وينبغي متابعة قوة الدفع التي تولدت من العبء المتنامي للأمراض غير السارية، وذلك من خلال تنفيذ الإطار الإقليمي للعمل لتنفيذ الإعلان السياسي الصادر عن الأمم المتحدة حول الأمراض غير السارية، والذي يغطي مجالات تصريف الشؤون (الحَوْكمة)، والوقاية من عوامل الخطر وتقليصها، والترصُّد، والرعاية الصحية. ويجب كذلك تقوية أواصر الشراكات وإدماج الأمراض غير السارية في الرعاية الصحية الأولية. وينبغي تسريع وتيرة العمل على تنفيذ اتفاقية المنظمة الإطارية بشأن مكافحة التبغ، وإعطاء المزيد من الاهتمام للغذاء والنشاط البدني. أما في ما يتعلق بالأمراض السارية، فسَيَتم التركيز بشكل عاجل على دعم تحقيق المرامي الإنمائية للألفية المرتبطة بالأمراض. ويجب تحقيق التكامل بين نُظُم ترصُّد الأمراض، وزيادة الاستثمار في برامج التمنيع. كما يتعيَّن أن يحظى برنامج استئصال شلل الأطفال بالأولوية في جميع البلدان. إن الفاشية التي ظهرَت مؤخّراً في الصومال، واكتشاف فيروس شلل الأطفال في العينات البيئية في البلدان التي كانت خالية من شلل الأطفال لسنوات عديدة لا يمكن مهادنتها أو السكوت عليها. وسيستلزم الأمر العمل بشكل مكثف وبقوَّة في أفغانستان وباكستان للحفاظ على ما تحقق من تقدم في عام 2012، وعلى ما وصلت إليه مناعة السكان في البلدان الخالية من شلل الأطفال، وعلى مستوى الإشهاد الخاص بترصُّد الشلل الرخو الحاد، وعلى القدرة على اكتشاف أي حالة وفادة. أما في مجال مكافحة السل والملاريا، فإنهما يحتاجان إلى مواصلة التأكيد على ضرورة الارتقاء باكتشاف الحالات، وذلك من خلال عقد شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين القدرات المختبرية وتقوية الترصُّد. ويجب زيادة سُبُل الحصول على المعالجة المضادة للفيروسات القهقرية وغيرها من الخدمات للمصابين بعدوى فيروس الإيدز، ولاسيَّما للفئات السكانية المعرضة لمخاطر مرتفعة، فضلاً عن تصعيد العمل على التخلص من انتقال العدوى بفيروس الإيدز من الأم إلى الطفل. وسيحظى العمل بأحكام اللوائح الصحية الدولية في الوقت المحدَّد بالأولوية أيضاً، كما سيتواصل التأكيد على بناء القدرات الوطنية الأساسية اللازمة في مجال الترصُّد، والاستجابة، والدعم المختبري، والموارد البشرية.

ولا مراء في أن الصراعات الدائرة، والطوارئ الإنسانية المزمنة السائدة في العديد من بلدان الإقليم، والتي تسفر عن أعداد كبيرة من النازحين، تعتبر من عوامل الخطر الأساسية التي تهدد تطوير الصحة والنُظُم الصحية على المدى البعيد. وتتمثل الأولويات الاستراتيجية المتعلقة بالتأهب للطوارئ والاستجابة لمقتضياتها في إعداد سياسات وتشريعات واضحة استناداً إلى أسلوب يراعي جميع المخاطر من منظور "الصحة الشاملة"، مع إيلاء اهتمام خاص لحماية المرافق الصحية والقوى العاملة في أوقات الطوارئ. وعلى الرغم من زيادة التمويل المتاح للأنشطة الصحية إبان الطوارئ، فإن %38 فقط من متطلبات الإقليم قد تم تلبيتها في عام 2012. ولايزال القطاع الصحي يعاني من نقص شديد في التمويل مما يؤكِّد على الحاجة إلى اتخاذ الشركاء التقليديين وغير التقليديين لأسلوب أكثر تنسيقاً من أجل تلبية الاحتياجات الصحية للفئات السكانية المتضررة في الإقليم.

ولعل أكثر ما يلفت النظر أن أياً من هذه الأعمال لا يمكن النظر إليه بمعزل عن غيره. فتحديد الأولويات الاستراتيجية يجب ألا يعني أنه يمكن التعامل مع كل منها بشكل منفصل. وبالتالي فإن تعزيز النُظُم الصحية يعتبر أمراً ضرورياً لإحراز المرامي الإنمائية للألفية، وللحفاظ على ما تحقق من مكاسب حتى بعد عام 2015، ولتعزيز الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها. فالتأهب للطوارئ، وترصُّد الأمراض والتبليغ عنها، وتبني أسلوب متكامل ومتعدد القطاعات للتعامل مع الأمراض غير السارية، كلها من الأمور المتكاملة التي تأتي في سياق التنمية الصحية الوطنية.

إن عملية إصلاح المنظمة ستساعدها في تقوية ما تقدمه من دعم تقني للدول الأعضاء، سواء من حيث الجودة أو من حيث التوقيت على الصعيدين الإقليمي والقُطري. ومن ثَمَّ، فإن هذا سيساعد بدوره في زيادة التنسيق والتكامل بين البرامج الوطنية؛ بحيث تنعكس الإجراءات التي يتم اتخاذها في مجال معين من مجالات تعاون المنظمة مع البلدان، على تعزيز حصائل الإجراءات التي تم اتخاذها في مجال آخر. إن إصلاحات الإدارة ستدعم تحسين الشفافية والمساءلة بحيث تتأكد الدول الأعضاء من أن إسهاماتها التي تقدمها للمنظمة تستخدم بفعالية وأنها ذات مردود عالٍ، وتستخدم بشكل مناسب. وستحظى الدبلوماسية الصحية بشكل متزايد، بدور مهم في وضع تصور لوضع برنامج العمل الصحي على الصعيدَيْن العالمي والإقليمي، وإنني آمل أن تواصل الدول الأعضاء في الإقليم سعيها إلى زيادة مشاركتها في أعمال جمعية الصحة العالمية والمجلس التنفيذي.

ولقد تبنَّت اللجنة الإقليمية جدول أعمال للمنظمة وللدول الأعضاء خلال السنوات الأربع القادمة. وهذا الجدول وإن كان محفوفاً بالتحديات، ولكنه محدَّد البنود والمكونات بوضوح. وقد تم وضع معالم بارزة يمكن على أساسها قياس ما أحرزناه من تقدُّم. وستبذل المنظمة قصارى جهدها لتحسين تعاونها مع البلدان ودعمها لها. وعلى نفس النسق فإنني آمل أن تقوم الدول الأعضاء بدورها في متابعة خطة العمل التي التزمت بها. فنحن جميعاً أمامنا الكثير لنقوم به.