الأمراض غير السارية

إطار العمل الإقليمي

استمرّ التركيز على توسيع نطاق تنفيذ الإعلان السياسي الصادر عن الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها، استناداً إلى إطار العمل الإقليمي الصادر في هذا الشأن. ويخضع هذا الإطار، منذ أن أقرّته اللجنة الإقليمية في عام 2012، إلى التحديث بصفة سنوية، كما تم إعداد مجموعة مؤشِّرات عملية بغَرَض توجيه الدول الأعضاء حول كيفية قياس التقدُّم المحرَز على المستوى الوطني في تنفيذ التدخُّلات الاستراتيجية المطلوبة.

والإقليم منخرط بشدّة في متابعة الاستراتيجية العالمية والإعلان السياسي لعام 2011، واتَّخَذ مبادرات مهمّة في هذا الشأن. وقد أتاح الاجتماع الإقليمي السنوي الثاني، الذي عُقِد في عام 2014، الفرصة للدول الأعضاء، ليس فقط لمراجعة التقدُّم المحرَز في تنفيذ إطار العمل الإقليمي، بل أيضاً لتقديم إسهام مهم في مناقشات الدول الأعضاء، في نيويورك، من أجل إعداد البيان الختامي للاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة بشأن الاستعراض والتقييم الشاملَين للتقدُّم المحرَز في مجال الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها. وكان معظم التوصيات التي قدّمتها الدول الأعضاء في هذا الإقليم للميسِّرين وللدول الأعضاء، في نيويورك، قد وَرَد في البيان الختامي الذي أقرّه الاجتماع الرفيع المستوى في تموز/يوليو 2014. وتَمثَّل الاستثناء الوحيد من ذلك في التوصية المتعلقة بطلب إنشاء آلية للرَصْد ترتكز على مجموعة محددة من المؤشرات لتقييم التقدُّم الذي تحرزه البلدان خلال الفترة ما بين عام 2014 وموعد اجتماع الاستعراض التالي للجمعية العامة المقرر عقده في عام 2018.

وقد أثارت الدول الأعضاء، مرّة أخرى، مسألة الأهمية الحاسمة لإنشاء تلك الآلية الخاصة بالرَصْد، وذلك خلال اجتماعات الدورة الحادية والستين للّجنة الإقليمية، التي عُقِدَت في تشرين الأول/أكتوبر 2014، وتم اعتماد قرار في هذا الشأن يدعو المجلس التنفيذي لأن يطلب إلى المديرة العامة تعميم مذكرة تقنية، قبل انعقاد جمعية الصحة العالمية الثامنة والستين، بشأن الكيفية التي سترفع بها المنظمة تقريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة حول التقدُّم الذي تحرزه البلدان، تمهيداً لتقديمه إلى الاجتماع الرفيع المستوى القادم، المقرّر عقده في نيويورك في عام 2018. وكان للمؤشرات العملية المذكورة في إطار العمل الإقليمي، إسهام كبير في المذكرة التقنية النهائية التي أصدرتها المديرة العامة في أيار/مايو 2015.

في هذه الأثناء، تعمل المنظمة عن كَثْب مع الدول الأعضاء، على عدّة مبادرات مهمّة لتنفيذ الالتزامات الرئيسية الواردة في المجالات الأربعة لإطار العمل الإقليمي: الحَوْكَمَة، والترصُّد، والوقاية، والرعاية الصحية.

الحَوْكَمَة

تمتلك 38% من البلدان استراتيجيات و/أو خطط عمل تنفيذية متعددة القطاعات لمكافحة الأمراض غير السارية، غير أن خُمس البلدان فقط هي التي وضعت أهدافاً محددة يكتمل تنفيذها بحلول عام 2025، وترتكز على توجيهات المنظمة من أجل الوفاء بالالتزامات المحددة زمنياً، وذلك على النحو الموضَّح في البيان الختامي الصادر في عام 2014. وتعمل المنظمة على نحو وثيق، مع عدد من البلدان (تونس، وجمهورية إيران الإسلامية، والسودان، وعُمان، ولبنان، والمغرب، واليمن) لتعزيز وضع خطط العمل المتعددة القطاعات، بما يشمل تحديد الأهداف الوطنية لعام 2025.

وأعدَّت المنظمة مرتَسَمات قُطرية توضِّح المرحلة التي وصل إليها كل بلد في تنفيذ الالتزامات المطلوبة، استناداً إلى المؤشرات العملية الواردة في إطار العمل الإقليمي. وقد روجِعَت هذه المرتَسَمات من قِبَل الدول الأعضاء، خلال اجتماعات اللجنة الإقليمية في دورتها التي عُقِدَت في تشرين الأول/أكتوبر 2014، وستتواصل عملية المراجعة على نحو منتظم، خلال الاجتماعات الوزارية التي ستسبق انعقاد جمعية الصحة العالمية، وأيضاً خلال الدورات المقبلة للّجنة الإقليمية.

وبُغْيَة تعزيز التدخُّلات المالية ودعم البلدان في مجال التشريع، أعدَّت المنظمة، بالتعاون مع المركز المتعاون مع المنظمة بجامعة جورج تاون، آلية متابعة للتدخلات القانونية الرئيسية لمعالجة قضايا الحَوْكَمَة، والنُظُم الغذائية، والخمول البدني، ومكافحة التبغ. وسيتواصل العمل، في عام 2015، على إعداد التوجيهات للدول الأعضاء في ما يختص بتنفيذ كل تدخل من التدخُّلات الرئيسية، وذلك في ضوء الخبرات الدولية وأفضل الممارسات في هذا المجال.

الوقاية من عوامل الخطر ومكافحتها

تم تسريع وتيرة العمل على سياسات مجابهة عوامل الخطر المشتَرَكة للأمراض غير السارية الرئيسية، بما يستهدف، على وجه الخصوص، توسيع نطاق تنفيذ التدخُّلات التي ثبتت جدواها من حيث الفعالية لقاء التكاليف (أفضل الصفقات) للوقاية من تلك العوامل.

وما تزال مكافحة التبغ تواجه تحدّيات صعبة، ولاسيَّما تلك التي تشكلها عملية التحول الاجتماعي والسياسي، وسطوة دوائر صناعة التبغ، وظهور منتجات جديدة. ولا يزال عدد البلدان الموقِّعة على أول بروتوكول للمنظمة الخاص بالاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ يراوح مكانه، منحصراً في ثمانية بلدان. والحاجة قائمة لاستمرار الدعم السياسي والتقني من أجل التصديق على هذه الاتفاقية والبروتوكول الخاص بها. وقد دعم المكتب الإقليمي الدول الأعضاء في صياغة قرارين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، يتعلقان بمكافحة منتجات تبغ النرجيلة (الشيشة) والوقاية منها، وبالهدف العالمي المتمثِّل في الحدّ من تعاطي التبغ، واللذين سيتيحان للدول الأطراف رفع تقرير للمؤتمر حول التقدُّم المحرَز صَوْب تحقيق هدف خفض معدّل تعاطي التبغ بنسبة 30% بحلول عام 2025. واستناداً إلى التوصيات الصادرة عن أحد الاجتماعات التشاورية الإقليمية، فمِن المقرّر إنشاء مراصد وطنية، خلال 2015، لتتبُّع أنشطة الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته في الأعمال الدرامية، وذلك في ثلاثة من البلدان. وتم أيضاً دعم مبادرات بناء القدرات في مجال فرض الضرائب على التبغ، في العديد من البلدان. ويُجرى حالياً إعداد قائمة تفقُّدية من أجل دعم البلدان في إعداد تشريعات وطنية تتسق مع الالتزامات الدولية في هذا المجال. وتم كذلك إعداد حزمة إقليمية في إطار الاحتفال باليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ، يتم التركيز فيها على فرض الضرائب، ومكافحة التبغ، وتدابير السياسات السِت الرئيسية لمكافحة التبغ (MPOWER)، وعلى دوائر صناعة التبغ.

وفي ما يختص بالتغذية، فقد حظيَت باهتمام متواصِل. فمن المعروف أن الاستهلاك اليومي الحالي للملح في الإقليم يزيد على 10 غرامات لكل شخص، وهو ضِعف المعدّل الذي توصِي به المنظمة (5 غرامات للشخص في اليوم). وتم إعداد إرشادات تقنية تستند إلى استعراض متعمِّق للبيِّنات والخبرات الدولية في هذا المجال، وذلك في شكل بيانات للسياسات، حول الحدّ من استهلاك الدهون والملح في البلدان. وقام كل من الكويت وقطر بخفض محتوى الملح في الخبز بنسبة 20% خلال سنة واحدة، ووضعت جمهورية إيران الإسلامية حداً أقصى لمستويات الملح في عدد من الأغذية، كما أصدَرَت مرسوماً يقضي بخفض المحتوى من الدهون المهدرجة إلى أقل من 2% في منتجات صناعة الزيوت، وخفَّضت وارداتها من زيت النخيل، في عام 2014، إلى 30% من إجمالي وارداتها من الزيوت، وسوف تواصِل خفض الواردات بنسبة 15% في عام 2015. وعلى الصعيد نفسه، تُعِدُّ بلدان مجلس التعاون الخليجي تشريعات للتخلص من الدهون المهدرجة في جميع الأغذية، سواء أكانت منتَجة محلياً أم مستوردة. وهناك خمسة بلدان لديها حالياً دلائل إرشادية للأنظمة الغذائية قائمة على الأغذية، في حين تم إعداد مرتَسَمات تغذوية نموذجية، تخضع حالياً للاختبار في سبعة بلدان، من أجل مساعدتها على تحسين توسيم الأغذية وتشجيع إنتاج الغذاء الصحي. وتتمثَّل الأولويات الاستراتيجية للمنظمة في الثنائية المقبلة، في مساعدة البلدان على تنفيذ بيانات السياسات العامة، ووضع خطط عمل وطنية، ومراجعة التشريعات والمعايير الخاصة بالمنتَجات الغذائية التي تحتوي على نسبة عالية من الملح والدهون، وتشجيع البحوث في مجال الحدّ من استهلاك الملح والدهون، وإعداد دليل للسمات التغذوية الإقليمية. ويجري الإعداد لتقديم أنشطة تدريبية، بالتعاون مع جامعة ليفربول، في ما يختص بتنظيم تسويق الأغذية الغنية بالملح والسكّر والدهون. والغَرَض من ذلك هو تعزيز القدرات في الدول الأعضاء على تنفيذ توصيات المنظمة بشأن تسويق الأغذية والمشروبات غير الكحولية للأطفال. وأُعلن خلال اجتماعات اللجنة الإقليمية عن مبادرة لمواجهة تسويق المنتجات غير الصحية بلا قيود، ولاسيَّما للأطفال، والتي سيتم إطلاقها في عام 2015. كما تقوم المنظمة حالياً، وبالتعاون أيضاً مع جامعة ليفربول، برسم خارطة للتقدُّم المحرَز من قِبَل 15 بلداً في تنفيذ توصيات المنظمة بشأن تسويق الأغذية والمشروبات غير الكحولية للأطفال. وتم الإعداد كذلك لدورة، تُقَّدم على مدى ثلاثة أيام سيجرى تنفيذها في عام 2015، لبناء القدرات القانونية والدفع قُدُماً بإجراءات تنفيذ التوصيات. وعملت المنظمة مع خبراء عالميين لإعداد مسوَّدة خارطة طريق لمواجهة التسويق غير الـمُنَظَّم بلا قيود للمنتجات غير الصحية.

وكما ورد في القسم السابق، فقد شُكِّلت لجنة استشارية إقليمية لدعم تنفيذ الدعوة الإقليمية للعمل على تعزيز النشاط البدني. كما يجرى إعداد حزمة تدريبية عن وسائل الإعلام، والتسويق الاجتماعي في ما يختص بالنشاط البدني والنُظُم الغذائية الصحية.

الترصُّد والرَصْد والتقييم

تتمثَّل الأولوية الاستراتيجية في تعزيز قدرات البلدان على تنفيذ وتقوية الإطار الذي وضعَته المنظمة لترصُّد الأمراض غير السارية. وتم إدماج المؤشرات الأساسية المحدَّدة المدرَجة في العناصر الثلاثة للإطار – تتبع المخاطر والمحددات الصحية، ورَصد النتائج (المراضة والوفيات الناجمة عن أسباب محددة)، وقدرات النُظُم الصحية واستجابتها – تم إدماجها ضِمن الإطار الوطني للمعلومات الصحية الذي أقرّته اللجنة الإقليمية في دورتها الحادية والستين. ومن أولويات بناء القدرات في مجال الترصُّد، إقامة شبكة من الخبراء الإقليميين والدوليين لدعم البلدان في تنفيذ الإطار، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من نُظُمها الوطنية للمعلومات الصحية. وتم، من خلال العمل مع شبكة شرق المتوسط للصحة العمومية، إقامة حلقة عملية تدريبية حول ترصُّد الأمراض غير السارية، وذلك للخبراء الإقليميين المحتملين، تنفيذاً لبنود حزمة تدريبية إقليمية تم إعدادها في هذا المجال. وستجرى متابعة هذا العمل وتعزيزه في عام 2015.

وأكمل بلدان (باكستان والكويت)، في عام 2014، المسح الذي يُتَّبع فيه النهج المتدرِّج، كما أن ستة من البلدان ماضية قُدُماً في إجراء هذا المسح (الأردن، وتونس، وجيبوتي، والسودان، والصومال، والمغرب). واكتمل، في ذات الوقت، إجراء المسح العالمي لتعاطي التبغ بين البالغين، في كل من باكستان وقطر، في حين يجرى استكماله حالياً في عُمان والمملكة العربية السعودية. وأكملَت خمسة بلدان (الأردن، والسودان، والعراق، ومصر، واليمن)، جولات الإعادة للمسح العالمي لتعاطي التبغ بين الشباب.

وأُجريَت تحليلات لنموذج (SimSmoke) لمحاكاة سياسات مكافحة التبغ في 14 بلداً، والتي ستمكِّن نتائجها هذه البلدان من التنبؤ بالآثار الصحية المترتبة على التنفيذ الكامل لتدابير السياسات الست الرئيسية لمكافحة التبغ (MPOWER)، في الحدّ من تعاطي التبغ، وتحقيق الهدف المحدد في إطار الرَصْد العالمي للأمراض غير السارية.

وتَمَّ، بالتعاون مع الوكالة الدولية لبحوث السرطان، تقييم سجل السرطان في أربعة بلدان، كما تم تعزيز القدرات الوطنية في مجال إعداد سجلات السرطان.

الرعاية الصحية

تتمثَّل الاستراتيجية الأساسية لتحسين الرعاية الصحية للأشخاص الذين يعانون من المجموعات الأربع الرئيسية للأمراض غير السارية (الأمراض القلبية والوعائية، والسكّري، والأمراض التنفسية المزمنة، والسرطان)، في إدماج التدبير العلاجي لهم في إطار الرعاية الصحية الأولية. ويجرى إيلاء اهتمام خاص لبلوغ الهدف العالمي الثامن المتمثِّل في حصول 50% على الأقل من الأشخاص المستحقين للعلاج بالأدوية للوقاية من النوبات القلبية والسكتات الدماغية، على الأدوية والمشورة الطبية (بما في ذلك ضبط سكّر الدم)، والهدف العالمي التاسع المتمثِّل في توافر التكنولوجيات والأدوية الأساسية المطلوبة بنسبة 80% بأسعار ميسورة، وذلك بحلول عام 2025.

واستناداً إلى نتائج استطلاع أجري في 2014/2015، على شبكة الإنترنت، تبيَّن أن ثمانية بلدان فقط استخدمت النَهْج الموصَى به من المنظمة لتحديد المرضى المعرَّضين لمخاطر عالية للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية: 60% فقط من البلدان أدرجَت في حزمة الرعاية الصحية الأولية الأساسية، مجموعة الأدوية التي حددتها المنظمة والتي تتضمَّن سبعة أدوية على الأقل، للحدّ من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. وقد وَضَع المكتب الإقليمي إطارا لتعزيز إدماج التدبير العلاجي للأمراض غير السارية الشائعة، مع التركيز بشكل خاص على ارتفاع ضغط الدم والسكّري، في إطار الرعاية الصحية الأولية. كما يقوم المكتب الإقليمي حالياً بإعداد حزمة من الأدوات لدعم تنفيذ هذا الإطار، بما يشمل النُهُج الممكنة لمعالجة القيود المفروضة على النُظُم الصحية.

وتمثِّل إتاحة العلاج الرفيع الجودة لأمراض السرطان أولوية بالنسبة لهذا الإقليم. وقد شُرِع في عام 2014، عقب اجتماع تشاوري للخبراء حول تحسين الرعاية لمرضى السرطان، في إنشاء برنامج للعمل المشتَرَك بين المنظمة والوكالة الدولية لبحوث السرطان. والعمل جار حالياً لوضع خيارات للسياسات الإقليمية في ما يختص بالنُهُج العملية لتعزيز رعاية مرضى السرطان، مع التركيز على جوانب تنظيم الرعاية، والأدوية والتكنولوجيات الأساسية، والتمويل، والرَصْد، ومجالات البحوث ذات الأولوية.

ويشكِّل التدبير العلاجي للأمراض غير السارية تحدِّياً كبيراً في حالات الطوارئ والأزمات، والتي يتضرَّر منها حالياً، مع الأسف، أكثر من نصف بلدان الإقليم. وقد أجري تحليل للوضع الإقليمي بغَرَض تقييم التحدّيات التي تواجِه توفير الرعاية الأساسية، مع التركيز على البلدان المتضرِّرة من الأزمة السورية. وإلى جانب القيود المفروضة على النُظُم الصحية، التي تتفاقم أثناء الأزمات، فإن غياب التوجيهات الواضحة والأدوات اللازمة لتحسين إتاحة التدخُّلات المنقذة للحياة، بما في ذلك الأدوية والتكنولوجيات، تلقَى حالياً أعلى درجات الاهتمام في أعمال المنظمة في عام 2015 وما بعده.

الصحة النفسية وتعاطي مواد الإدمان

يَلقَى الحجم الضخم لاضطرابات الصحة النفسية وتعاطي مواد الإدمان مزيدا من الاهتمام باعتبار ذلك يمثل واحدة من مشكلات الصحة العمومية، ولاسيَّما في أعقاب اعتماد جمعية الصحة العالمية لخطة العمل العالمية للصحة النفسية 2013 – 2020. وقد ولَّد العدد الكبير من البلدان التي تشهد أوضاع طوارئ معقّدة في هذا الإقليم، زَخَماً قوياً لإبراز أهمية برامج الصحة النفسية وتعاطي مواد الإدمان، مما زاد من الحاجة إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي، وزيادة الطلب عليها. ورغم إحراز جميع بلدان الإقليم لبعض التقدُّم صَوْب إدماج الصحة النفسية في الرعاية الصحية الأولية، فما تزال هناك فجوات علاجية ضخمة، تتراوح نسبتها ما بين 76% و85%، بصرف النظر عن المجموعات التي تصنَّف فيها هذه البلدان. وقد ساعد المسح الخاص بأطلس الصحة النفسية، الذي أُنجز في عام 2014 من أجل تقييم القدرات والموارد المتاحة في مجال الصحة النفسية وتعاطي مواد الإدمان، ساعد على التعرُّف على الثغرات الموجودة في مجال السياسات والتشريعات، وتقديم الخدمة، وتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض، والمعلومات، والبيِّنات، والبحوث.

وفي مجال السياسات والتشريعات، فإن 55% فقط من البلدان لديها سياسات تم إعدادها أو تحديثها خلال الأعوام الخمسة الماضية، في حين تمتلك خمسة بلدان فقط تشريعات خضعَت للتحديث خلال السنوات الخمس الماضية. وعلى ذلك، فقد تم تقديم الدعم التقني للبلدان من أجل إعداد أو تحديث السياسات والاستراتيجيات والتشريعات الوطنية المعنية بالصحة النفسية، بما يتّفق مع خطة العمل، واتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

وتسترشد المنظمة في عملها في هذا الإقليم بخطة العمل العالمية. فالخطة شاملة وتُلم بمختلف أبعاد مشكلة الصحة النفسية. وحتى يمكن للخطة معالجة الأولويات الإقليمية، فقد تقرّر التركيز في عملنا مع الدول الأعضاء ومع الشركاء، على إعداد إطار عمل إقليمي يشتمل على مجموعة من الاستراتيجيات والتدخُّلات العالية التأثير والمسنَدَة بالبيِّنات، تكون وثيقة الصلة بالمشكلة، وممكنة التنفيذ في مجموعات البلدان الثلاث. ولقد تم بالفعل إعداد الإطار، من خلال عمل مكثف جرى مع خبراء دوليين وإقليميين. ويغطي الإطار مجموعة من التدخُّلات المسندة بالبيِّنات والعالية التأثير في كل من العناصر الأربعة الرئيسية: الحَوْكَمَة، والوقاية وتعزيز الصحة، والرعاية الصحية، والترصُّد. وسيتم، في تشرين الأول/أكتوبر 2015، عرض هذا الإطار على اللجنة الإقليمية للنظر فيه.

وكما ذُكر أعلاه، فإن نسبة كبيرة من البلدان في هذا الإقليم تشهد حالات طوارئ إنسانية، الأمر الذي زاد من معدّلات الاضطرابات النفسية والتوتر من جهة، وأدّى إلى انخفاض مستويات الخدمات المتاحة، من جهة أخرى. وقد تم، بالتنسيق مع وكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية غير الحكومية، تقديم الدعم اللازم لتعزيز قُدرات المشاركين في الاستجابة للطوارئ، من أجل تقديم خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في البلدان المتضرِّرة من الأزمتين السورية والعراقية على وجه التحديد. وتم توظيف العاملين المطلوبين لتقديم خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في كل من الجمهورية العربية السورية والعراق. ومع ذلك، فهناك حاجة إلى إجراءات لتعزيز خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في بلدان أخرى، بما في ذلك ليبيا واليمن.

وعلى جانب آخر، يمثِّل تعاطي مواد الإدمان هاجساً كبيراً في عدد متزايد من البلدان. وحتى يمكن تطوير استجابة مترابطة لقضية تعاطي مواد الإدمان في هذا الإقليم، فقد تم، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى وغيرها من الأطراف المعنية في الإقليم، إعداد إطار عمل لتعزيز استجابة الصحة العمومية في هذا المجال. ويتوفَّر الدعم لهذا الإطار من خلال المراجعات التي تجرى على السياسات، والتي يمكن أن تساعد البلدان على توضيح موقفها في هذا السياق، خلال الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة حول المخدرات، في نيسان/أبريل 2016.