الأمراض غير السارية

إطار العمل الإقليمي

على الرغم من الالتزام السياسي الـمُعلن بتنفيذ الإعلان السياسي للاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها، فإن كثيراً من البلدان ما يزال يواجه تحديات في الانتقال إلى مرحلة الإجراءات الملموسة وكانت الاستجابة للإعلان السياسي للأمم المتحدة الصادر عام 2011 ولإطار العمل الإقليمي الذي اعتمدته اللجنة الإقليمية عام 2012 غير منتظم الوتيرة ومتفاوت. وتباينت العوامل المسؤولة عن هذا الوضع من بلدٍ لآخر، ولكنها بوجه عام انطوت على عدم كفاية الالتزام السياسية على أعلى المستويات وتنافس الأولويات ولا سيّما في البلدان التي تعاني وطأة الأزمات وضعف المشاركة من جانب القطاعات الأخرى التي يعدُّ عملها ضرورياً من أجل تنفيذ التدابير الأساسية وضعف النظم الصحية بما في ذلك تفتت نُظم المعلومات الصحية والقوى المتعارضة المصالح، ومن بينها دوائر صناعة التبغ، وتسويق الأطعمة غير الصحية الذي لا يتم التصدي له، وغياب الحراك الفعّال للمجتمع المدني.

وقد استمر التركيز، خلال عام 2015، على توسيع نطاق تنفيذ إطار العمل الإقليمي الصادر في هذا الشأن. ويخضع هذا الإطار، منذ أن أقرّته اللجنة الإقليمية، في عام 2012، للتحديث المستمر بصفة سنوية. وقد تم إعداد مجموعة من المؤشرات العملية بغرض إرشاد الدول الأعضاء حول كيفية قياس التقدُّم الـمُحرَز صَوْب تنفيذ التدخلات الاستراتيجية في هذا المجال.

ونواصل عَقد اجتماعات إقليمية سنوية حول الأمراض غير السارية مما يتيح الفرصة للدول الأعضاء لاستعراض التقدُّم الـمُحرَز مع الخبراء الدوليين والإقليميين ولتلبية احتياجاتها من الدعم التقني. وعلاوة على ذلك، واصل المكتب الإقليمي، في عامي 2016 و2017، إعداد التوجيهات التقنية المحددة التي من شأنها تمكين البلدان من تنفيذ التدابير الموصى بها في المجالات الأربعة المنضوية في إطار العمل الإقليمي (الحَوْكَمة، والترصُّد، والوقاية، والرعاية الصحية) استناداً للبيّنات والخبرات الدولية وأفضل الممارسات.

الحَوْكَمة

تم، على مدار عام 2015، تنفيذ أنشطة دعوية رفيعة المستوى في مختلف المحافل، ومن بينها جمعية الصحة العالمية واللجنة الإقليمية، وذلك لتعزيز التعاون فيما بين القطاعات الأخرى بخلاف قطاع الصحة، وبين الحكومة والأطراف الفاعلة من خارجها. ويوجد حالياً لدى ستة بلدان، استراتيجية و/أو خطة عمل تنفيذية متعددة القطاعات، كما أن لدى أربعة بلدان أهدافاً محددة يكتمل تنفيذها بحلول عام 2025، وتستند إلى توجيهات المنظمة. وبلَغَت بلدان الإقليم مراحل مختلفة فيما يتعلق بتنفيذ خطط العمل الخاصة بها، وتواصل المنظمة رصدها للموقف بالتعاون مع هذه البلدان، استناداً إلى المؤشرات العملية الواردة في إطار العمل الإقليمي.

ومن بين المبادرات المبتكرة في هذا الشأن، كانت آلية المتابعة وتقارير السياسات الموجزة التي أعدت بالتعاون مع المركز المتعاون مع المنظمة بجامعة جورج تاون، حول أفضل الممارسات في مجال التشريعات الصحية، استناداً إلى البيِّنات العالمية في هذا المجال. ويوفِّر هذا العمل دليلاً للبلدان لاتخاذ الإجراءات التشريعية المناسبة لمعالجة عوامل الخطر الرئيسية في مجالات مكافحة التبغ والنظم الغذائية والنشاط البدني والحَوْكَمة. ويتم إيضاح كل تدخل من التدخلات ذات الأولوية المحددة من خلال مذكرة قانونية فردية مختصرة تشتمل على توصيات واقعية يمكن تطبيقها في البلدان ومستمدة من التجارب والخبرات العالمية والإقليمية والوطنية، ويمكن مواءمتها لتناسب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الوطنية.

الوقاية من عوامل الخطر ومكافحتها

ما يزال تدخل شركات صناعة التبغ في سياسات مكافحة التبغ، والمشاركة المحدودة للقطاعات غير الصحية في هذا المجال، يشكل تحديات كبيرة أمام تفعيل التدخلات المطلوبة في مجال الوقاية من عوامل الخطر المرتبطة بالأمراض غير السارية، ومكافحة تلك العوامل. وقد تبنَّى ستة عشر بلداً هدفاً، على المستوى الوطني، يتمثل في خفض معدلات تعاطي التبغ بنسبة 30% بحلول عام 2025، كما أن سبعة عشر بلداً هي الآن بصدد فرض زيادات على الضرائب تمشياً مع الدلائل الإرشادية للمادة 6 من اتفاقية المنظمة الإطارية بشأن مكافحة التبغ. وتم أيضاً تقديم الدعم للبلدان في مجال تحديث التشريعات الخاصة بمكافحة التبغ، وتحديداً، الجوانب المتعلقة بحظر التدخين في الأماكن العامة والتحذيرات الصحية المصوَّرة وحظر الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته.

ومن بين الأنشطة الرئيسية التي جرت في هذا الشأن، رفع مستوى الوعي السياسي حول قضايا مكافحة التبغ، ولا سيّما البروتوكول الخاص بالاتفاقية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، وسطوة شركات صناعة التبغ في مجال الإعلان عنه والترويج له ورعايته في الأعمال الدرامية. وتم في هذا السياق، تمويل ستة مشروعات قامت بتنفيذها منظمات غير حكومية، تعالج الجوانب المختلفة لعملية تعاطي التبغ في الأعمال الدرامية التي تُبث على الشبكات اللغوية الإقليمية. وهناك بَلَدان من هذا الإقليم (الإمارات العربية المتحدة واليمن)، تم التنويه عنهما في تقرير منظمة الصحة العالمية عن وباء التبغ العالمي 2015، ضمن أكثر البلدان إنجازاً من حيث حظر الإعلان عن التبغ، والترويج له، ورعايته، كما تم التنويه أيضاً عن المملكة العربية السعودية، بوصفها إحدى البلدان التي امتثلت امتثالاً كاملاً لمسألة حظر التدخين في الأماكن العامة. وفي السياق ذاته، قُدِّم الدعم التقني لبناء القدرات في مجال الإقلاع عن التدخين والتصديق على البروتوكول الخاص بالاتفاقية الإطارية بشأن مكافحة التبغ في بُلدان مجلس التعاون الخليجي. وأصبح كل من العراق والمملكة العربية السعودية دولةً طرفاً في البروتوكول الخاص بالاتفاقية الإطارية، كما انضم ثلاثة بلدان إلى البلدان الأكثر إنجازاً في مجال الرصد (باكستان، قطر، الكويت).

وما فتئ عبء الأمراض المزمنة الناجمة عن فرط الوزن والسمنة وتلك المتصلة بالنظام الغذائي، يتزايد بسبب مرحلة التحول التغذوي، ولا سيّما في البلدان المرتفعة الدخل والمتوسطة الدخل. وقد تبنّت سبعة عشر بلداً المدونة الدولية لقواعد تسويق بدائل لبن الأم، وتقوم بمتابعة تطبيقها. وعلى الرغم من ذلك، فإن مستوى التقدُّم الـمُحرَز في هذا المجال متباين. وتم إعداد مجموعة من وثائق الإرشاد في مجال السياسات من أجل دعم تبنِّي نُهُجٍ مستدامة للعمل المشترك بين القطاعات. وشملت تلك الوثائق بيانات تتعلق بالسياسات وإجراءات مقترحة لخفض استهلاك الملح والدهون والسكَّر، وبروتوكولاً خاصاً بقياس مدخول الملح باستخدام البول المجمَّع على مدى 24 ساعة.

وتُعَد معدلات استهلاك الملح الحالية في الإقليم مرتفعة جداً، حيث يبلغ متوسط استهلاكه 10 غرامات للشخص الواحد في اليوم في غالبية البلدان. وهناك تقدُّم في تنفيذ استراتيجيات الحد من استهلاك الملح في العديد من البلدان، كما تم تشكيل لجان وطنية متعددة القطاعات في بعض البلدان، لديها سلطة وضع الاستراتيجيات ومراقبة تنفيذ الأنشطة الرامية إلى خفض استهلاك الملح. وتشير التقديرات إلى ارتفاع أيضاً في استهلاك الأحماض الدهنية المشبَّعة في ظل تجاوز معظم البلدان الحد الأقصى المسموح به، البالغ 10%. واتخذ العديد من البلدان مبادرات تهدف إلى خفض المحتوى من الدهون الكلِّية والدهون المشبَّعة في المنتجات الغذائية (دول مجلس التعاون الخليجي، جمهورية إيران الإسلامية، العراق، مصر). وماتزال مشاركة الشركات الصناعية، في غالبية البلدان، مشاركة تطوعية وتجرى على استحياء. وأصبح توسيم الأغذية فيما يتعلق بمحتواها من الدهون الكلِّية أو الأحماض الدهنية المشبَّعة أو الدهون المهدرجة أو الملح، أمراً إلزامياً في جميع الأغذية، سواء أكانت مستوردة أم مُنْتَجة محلياً، وذلك في دول مجلس التعاون الخليجي. واتُخذت في مصر الخطوات الأولى نحو خفض مدخول زيت النخيل، في ظل تداول مسوّدة مقياس معياري بشأن زيت الطعام المدعوم. ومن ناحية أخرى، تحركت شركات صناعية من القطاع الخاص في عدد من البلدان تجاه الإنتاج الطوعي لمنتجات الألبان قليلة الدسم أو الخالية منه.

وعلى الصعيد نفسه، أُعِدَّ مشروعٌ لنموذج لتحديد المرتسمات التغذوية بغرض إرشاد البلدان بشأن تصنيف الأغذية والمشروبات، بكونها "صحية" أو "غير صحية". وقُدِّم الدعم، بالتعاون مع المكتب الإقليمي لأوروبا والمقر الرئيسي للمنظمة وجامعة ليفربول، إلى العديد من البلدان لوضع خارطة طريق مؤقتة لتسريع الإجراءات الخاصة بتسويق الأغذية غير الصحية، وذلك من خلال بناء القدرات في مجال التدخلات القانونية في هذا الشأن. وأجريت سلسلة من الأنشطة التوعوية، تُوِّجت بمنتدى مفتوح حضرته وسائل الإعلام الرئيسية وكبار الشخصيات على مستوى الإقليم وخبراء الإعلام وممثلو منظمات المجتمع المدني، وانتهى المنتدى إلى مجموعة من التوصيات للقطاعات المختلفة بخلاف قطاع الصحة، للتصدي لأنشطة تسويق الأغذية غير الصحية للأطفال.

وسعياً إلى تعزيز النشاط البدني، تم تقديم الدعم في مجال تنمية القدرات في مجال الإعلام الجماهيري وأنشطة التسويق الاجتماعي، بالشراكة مع المركز المتعاون مع المنظمة في مجال النشاط البدني والتغذية والسمنة في سيدني بأستراليا، وأسفرت الجولة الأولى، التي شارك فيها تسعة بلدان، عن قيام ممثلي كلا القطاعين الصحي وغير الصحي بإعداد خطط مؤقتة للتسويق الاجتماعي والإعلام الجماهيري. وتم البدء في أنشطة الإرشاد عن بعد بشأن تنفيذ هذه الخطط في أربعة بلدان (جمهورية إيران الإسلامية، عُمان، الكويت، المغرب). وعلاوة على ذلك، تم إعداد مجموعة أدوات للإرشاد بشأن إدراج النشاط البدني ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية.

الترصُّد والرصد والتقييم

تتمثل الأولوية القصوى في تنفيذ الدول الأعضاء لإطار العمل المعني بترصُّد الأمراض غير السارية بمكوناته الثلاثة (رصد عوامل الخطر ومحدداته، وتتبع المراضة والوفيات المبكرة التي تعزى لأسباب محددة، وتقييم مدى استجابة النظم الصحية وأدائها. والمؤشرات الواردة تحت كل مكوِّن من المكوِّنات الثلاثة سوف تمكِّن الدول الأعضاء من رصد التقدُّم الـمُحرَز في تحقيق غايات خطة العمل العالمية التي اعتمدتها جمعية الصحة العالمية. وقد أُعِدت وحدة تدريبية وسوف تقدَّم للبلدان لبناء قدراتها في مجال ترصُّد الأمراض غير السارية، ومن المتوقع إجراء دورة تدريبية للمدربين قبل نهاية عام 2016.

وتم استكمال عدد من المسوح، كما أكمل كل البلدان تقريباً مسح القدرات القُطرية 2015، فيما يتعلق بالأمراض غير السارية. وهناك العديد من البلدان المنخرطة حالياً في مراحل مختلفة من المسح الخاص برصد العبء المرضي واتجاهات عوامل الخطر، الذي يُتَّبع فيه النَهج المتدرج، وكذلك المسح العالمي لتعاطي التبغ بين البالغين، والمسح العالمي لتعاطي التبغ بين الشباب. وتم، بالتعاون مع الوكالة العالمية لبحوث السرطان، بناء القدرات في مجال ترصد السرطان، حيث تم التركيز على إنشاء سجلات سكانية للإصابات السرطانية في البلدان، في حين تم تجريب دورة إقليمية لتعزيز القدرات في مجال الترصُّد بشكل أكبر، وهي تخضع حالياً للتنقيح. وقد حظي ذلك بمزيد من الدعم من خلال إنشاء أداة تقييم موحَّدة للتعرف على العقبات الموجودة والفرص المتاحة لتعزيز أنشطة الترصُّد.

الرعاية الصحية

تمثِّل إعادة توجيه النظم الصحية نحو إدماج التدبير العلاجي للأمراض غير السارية ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية، أولوية رئيسية. وانطلاقاً من التوصيات التي خرج بها اجتماع إقليمي، عُقد في عام 2014، فقد تم إعداد دليل لتقييم عناصر النظم الصحية التي تحقق الإدماج الفعّال لمعالجة تلك الأمراض ضمن هذه الخدمات. وعلاوة على ذلك أجريت مراجعة للبيِّنات العالمية من أجل دعم إعداد مصفوفة لخيارات السياسات، استناداً إلى أسلوب المنظمة الخاص باللبنات الأساسية للنظم الصحية، ووفقاً لاحتياجات البلدان في هذا المجال. وتم إعداد مجموعة أساسية من مؤشرات الجودة لأغراض التدبير العلاجي للأمراض غير السارية، وذلك في إطار مبادرة إقليمية حول تدابير الجودة في مجال الرعاية الصحية الأولية.

وعلى جانب آخر، أجري تحليل للوضع الإقليمي حول رعاية المصابين بالأمراض غير السارية في حالات الطوارئ، وذلك في خمسة بلدان ، مع التركيز على اللاجئين والنازحين من الجمهورية العربية السورية. وأكدت نتائج هذا التحليل على أهمية وجود نَهج متّسق لتقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية، حتى في ظل أوضاع الطوارئ. وقد أظهرت التجارب التي شهدها الإقليم أيضاً، مدى الحاجة إلى مجموعة موحَّدة من الأدوية والتكنولوجيات الأساسية، وتقديمها في الوقت المناسب. وقد تم، تبعاً لذلك، إعداد مجموعة مواد صحية خاصة بحالات الطوارئ، لأغراض التدبير العلاجي للأمراض غير السارية، والتي تكمِّل مجموعة المواد الصحية لحالات الطوارئ المشتركة بين الوكالات.

وفي غضون ذلك، تم إعداد مرتسمات قُطرية تحدد وضع كل بلد فيما يختص بالتعاطي مع المجالات الاستراتيجية الخمسة للوقاية من السرطان ومكافحته. وتركَّز العمل على بناء القدرات؛ أولاً، لإنشاء سجلات للسرطان أو تقييمها، وثانيا، لتطوير الرعاية الملطِّفة. وقام العديد من البلدان بالاستثمار على نحو موسَّع في تنظيم تحرٍ شامل على المستوى الوطني لسرطان الثدي، والقيام بحملات للتوعية الصحية العامة. وقدَّمت المنظمة، خلال عام 2015، الدعم التقني من أجل إعداد برامج لفحوص التحرِّي ولتقييم حملات التوعية العامة.

وقاد المكتب الإقليمي، في عام 2015، جهود الدعوة إلى وضع إطار خاص بالمساءلة من أجل قياس التقدُّم الـمُحرَز في هذا المجال، وقام بدور مهم في هذا الصدد. وقد أسهمت البلدان إسهاماً كبيراً في التحقق من اتساق المؤشرات العشرة التي وُضعَتْ لقياس التقدُّم الـمُحرَز مع مؤشرات إطار العمل الإقليمي. وتحسنت قدرة البلدان حالياً على رَصْد التقدُّم الـمُحرَز ورفع التقارير عن ذلك، وكذلك الوفاء بتعهدها بتنفيذ التزاماتها المحددة تحديداً زمنيا وهي: وضع الأهداف الوطنية؛ وإعداد/تعزيز خطط العمل المشترك بين القطاعات بحلول عام 2015؛ والحدّ من عوامل الخطر وتقوية النظم الصحية بحلول عام 2016.

وسوف تواصل المنظمة العمل مع الدول الأعضاء لتسريع وتيرة التقدُّم، الذي سوف يُقاس باستخدام مؤشرات التقدُّم أثناء الاستعراض القادم الذي ستجريه الأمم المتحدة في عام 2018. وسينصبُّ التركيز على رفع مستوى الوعي السياسي وزيادة مستوى مشاركة القطاعات المختلفة في تنفيذ أحكام الإطار الإقليمي من خلال النهج الذي يشمل الحكومة ككل، وعلى تقديم الدعم التقني للبلدان.

الصحة النفسية

تُعدُّ الاضطرابات النفسية والعصبية، وتلك الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان، مسؤولة عن فقدان 7.4% من سنوات العمر المصححة باحتساب مدد العجز، وعن 22.9% من سنوات العمر المقضية في ظل العجز، وذلك على مستوى العالم. كما أن الاستعمال غير المشروع للمخدرات مسؤول عن فقدان 0.9% من سنوات العمر المصححة باحتساب مدد العجز، على مستوى العالم أيضاً. كما أن معدلات الانتشار الموحَّدة حسب السن للاعتماد على القنَّب (0.19%)، وعلى الأمفيتامينات (0.25%)، والكوكايين (0.10%)، والمواد الأفيونية (0.22%)، الموجودة في هذا الإقليم، مماثلة للتقديرات العالمية في هذا الشأن. غير أن بالإقليم أعلى معدل انتشار للاضطرابات النفسية، وتحديداً الأمراض الاكتئابية واضطرابات القلق، في جميع أقاليم المنظمة. ويرجع ذلك بصورة شبه كلِّية إلى أوضاع الطوارئ المعقَّدة السائدة داخل هذا الإقليم. وفي حين أحرزت البلدان جميعها بعض التقدُّم، بصرف النظر عن مستوى الدخل الوطني، فلا تزال هناك فجوة علاجية ضخمة، بالنسبة للاضطرابات النفسية الوخيمة، تتراوح نسبتها بين 76% و85%.

وعلى الرغم من العبء الثقيل، ماتزال الصحة النفسية تفتقر إلى الاهتمام الكافي، سواء على المستوى السياسي أو مستوى الصحة العمومية، في حين يتأثر جميع جوانب الرعاية في هذا المجال بالوصم المرتبط بها، في ظل التمييز الواسع النطاق الذي يؤثر تأثيراً كبيراً على تطور الخدمة، وتقديمها، والاستفادة منها. ولطالما عانت الصحة النفسية من نقص مزمن في التمويل، الأمر الذي أدى إلى ندرة العاملين المتخصصين والخدمات المتخصصة في هذا المجال، كما أن مهارات كل من العاملين في مجال الصحة العامة، والقيادات في مجال الصحة النفسية، محصورة بشكل كبير في تقديم الرعاية.

وماتزال الرعاية المؤسسية هي النمط السائد لتقديم الرعاية في غالبية البلدان، وهذا يحد من القدرة على تنمية مهارات العاملين في مجال الصحة النفسية، كما يؤدى إلى انتهاكات لحقوق الإنسان. وهناك نقص في بيِّنات ومعلومات البحوث من داخل الإقليم لتعزيز التخطيط الاستراتيجي وتطوير الخدمة في هذا المضمار. ومع ذلك، فإن الصحة النفسية وتعاطي مواد الإدمان أخذاً يستقطبان مزيداً من الاهتمام على كلا الصعيدين العالمي والإقليمي، كما أن عدد البلدان التي تمر بأوضاع طوارئ معقدة يدفع إلى زيادة الحاجة إلى خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، ويرفع من الطلب عليها.

وفي هذا السياق، أقرت اللجنة الإقليمية في عام 2015 إطار عمل إقليمياً مُسْنَد بالبيّنات، والذي أَعدّه المكتب الإقليمي بين عامي 2014 و2015 بالتشاور مع الدول الأعضاء وكبار الخبراء الدوليين والإقليميين، والهدف منه هو توسيع نطاق العمل في مجال الصحة النفسية وتفعيل خطة العمل الشاملة الخاصة بالصحة النفسية 2013 – 2020. وقد حدد إطار العمل الإقليمي أربعة مجالات للعمل هي: الحَوْكَمة والوقاية والرعاية الصحية والترصُّد.

وقد حقق بعض البلدان معدلات تقدُّم جيدة؛ ففي مجال الحَوْكَمة، أَعدّ بعض البلدان (الإمارات العربية المتحدة، الصومال، عمان، قطر، الكويت، لبنان)، أو قامت بتحديث استراتيجيات الصحة النفسية لديها وفقاً للغايات والمؤشرات العالمية. وقامت ثلاثة بلدان (الإمارات العربية المتحدة، وأفغانستان، والمملكة العربية السعودية) بمراجعة تشريعاتها ونُظمها الخاصة بالصحة النفسية وفقاً لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتم إعداد مقرر دراسي لدورة إقليمية حول القيادة في مجال الصحة النفسية، وقامت الجامعة الأمريكية في القاهرة باستضافة الدورة الأولى في أيلول/سبتمبر 2015.

وفي مجال الرعاية الصحية، قُدِّم الدعم في عدة مجالات، حيث أصبح لدى أكثر من نصف عدد بلدان الإقليم برامج فاعلة خاصة بسد الفجوات في مجال الصحة النفسية، تهدف إلى ردم الهوة العلاجية فيما يتعلق بمشكلات الصحة النفسية ذات الأولوية، من خلال إدماجها ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية. وقد شرع ثلاثة بلدان حتى الآن (الأردن، أفغانستان، ليبيا) في تنفيذ مشروع "الحق في الجودة"، استناداً إلى أحكام اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك من أجل ضمان جودة الخدمات ومراعاة حقوق المرضى في مرافق الصحة النفسية. ومن ناحية أخرى، تم، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تعزيز الخدمات الخاصة باضطرابات تعاطي مواد الإدمان في كل من باكستان والعراق، من خلال بناء القدرات ودعم إنشاء مراكز خاصة بذلك. وأنشئت في باكستان خدمات للمعالجة ببدائل الأفيون، وتم التوسُّع فيها لتشمل بلداناً أخرى، في حين تم إعداد بروتوكول للحد من الأضرار في عُمان.

في غضون ذلك، تم، بالتعاون مع المقر الرئيسي للمنظمة والمنظمات الدولية غير الحكومية، تقديم الدعم للبلدان التي تواجه أزمات إنسانية في مجال الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في حالات الطوارئ، وذلك من خلال تعزيز القدرات التقنية للمكاتب القُطرية، وأيضاً من خلال الدعم المباشر. وتم نشر النسخة العربية من حزمة تدريبية عن الإسعافات الأولية النفسية. ويتم حالياً إجراء اختبار ميداني لحزمة تدخلات نفسية واجتماعية يقدمها عاملون صحيون غير متخصصين، في حالات الطوارئ.

وفي مجال الوقاية، نُشرت النسخة العربية من التقرير العالمي الخاص بحالات الانتحار، والذي أطلق عام 2014. وأجري تقييم للموارد والقدرات المتاحة من أجل تشخيص ومعالجة اضطرابات طيف التوحد، وذلك بالتعاون مع المعهد الإيطالي للصحة العمومية ومنظمة "التوحد يتكلم" (Autism Speaks). وتم وضع حزمة تدريبية عن الصحة النفسية لطلاب المدارس في صورتها النهائية، وهي الآن في طور التجريب في عدد من البلدان، بينما يتم أيضاً وضع اللمسات الأخيرة على مواد تثقيفية عن المهارات الحياتية ومواد تدريبية عن مهارات الأبوة فيما يختص باضطرابات طيف التوحد.

وتم نشر إرشادات حول إنشاء نظم خاصة بتسجيل حالات الانتحار ومعلومات حول معالجة تعاطي مواد الإدمان، وتم كذلك إعداد مجموعة أساسية من مؤشرات الجودة بشأن رعاية مرضى الصحة النفسية ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية، وذلك في إطار المبادرة الإقليمية بشأن تدابير الجودة في الرعاية الصحية الأولية.

وستقوم المنظمة بتعزيز الروابط وأواصر التعاون مع الشركاء الإقليميين والعالميين من أجل تنفيذ أحكام إطار العمل الإقليمي في هذا الإقليم، ووضع بنود خطة العمل العالمية 2013 – 2020 موضع التنفيذ. كما ستعزز المنظمة من قدرتها على تقديم الدعم للبلدان لمراجعة السياسات والاستراتيجيات الوطنية وتطويرها، تمشياً مع خطة العمل العالمية، والتركيز على تعزيز القوى العاملة المتخصصة وغير المتخصصة، لضمان تقديم خدمات رعاية متكاملة ورفيعة الجودة في مجال الصحة النفسية. كما ستقود المنظمة جهود إعداد حزمة عن جوانب المعرفة في مجال الصحة النفسية، وحملة لمكافحة الوصم المرتبط بها وبتعاطي مواد الإدمان. وستواصل المنظمة دعمها للبلدان من أجل تعزيز خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في حالات الطوارئ، كما ستقوم بتعزيز خدمات الصحة النفسية من خلال دعم الصحة النفسية لطلاب المدارس، والوقاية من الانتحار، وبرامج المعرفة في مجال الصحة النفسية.