تحتفلُ منظّمةُ الصحة العالميّة بيوم للصحّة في كلّ عام، وذلك منذ تأسيسها قبل ما يزيد على ستة عقود، وهي الفتـرةُ التي شهدت تطوّراً محوريّاً في مجال مكافحةِ الأمراضِ بأدويةٍ مقاوِمة للجراثيم. ولقد مثَّل الفتح العلمي في مجال مكافحةِ الأمراضِ الساريةِ والمزمنةِ وفق التدابير العلاجيّة المثلى انتصاراً لمبادرات تعزيز الصحّة، وتحقيقاً لمآرب المنظّمة في تأمين الأدوية الناجعة لمحتاجيها، دون الاقتصار على الأمراض المسبَّبة بالجراثيم، وفي سبيل الحد من خطر جميع المكروبات على صحّة الفرد والمجتمع.
غير أننا نشهدُ اليومَ تراجعاً في معدّلات التَّعَافي من الأمراض، نظراً لما اكتسبته المكروبات بأنواعها: الجرثومية والفَيْروسيّة والطفيليّة، من قدرةٍ وعِناد على مقاومة الأدوية، ومن ضعفٍ في الاستجابةِ لمضادّات المكروبات وبالتالي تعطيلِ مفعولهِا، وهو الأمر الذي يهدّدُ بإعادة العالم إلى مرحلة ما قبل اكتشافِ العلاجاتِ الأساسيّةِ في مكافحة العدوى، مما يمثِّل عبئاً مرضيّاً خطيراً يتطلب مجابهته دون إبطاء. وقد حدا ذلك بمنظمة الصحة العالمية إلى تناول هذا الموضوع الهام من خلال يوم الصحة العالمي لهذا العام تحت شعار: "معاً نجابه مقاومة الجراثيم للأدوية".
وتضطلع المنظّمةُ مع شركائِها من دولِ الإقليمِ بمسؤوليةَ رفدِ التقدّمِ العلميِّ في مجال تقنيات تصنيع الأدوية بممارساتٍ صحيحةٍ تحدُّ من خطرِ مقاومة الميكروبات للأدوية، وتـُعـَزّزُ فاعليّة استخدامِها باتّباع مِنْوال علميّ يراقبُ تصنيعَها وفق معاييرِ الجودة، ويُرَشّدُ وصفَها من خلال تشخيصٍ دقيقٍ، ويُؤَمّنُ صرفَها بناء على توصية طبيّةٍ مؤكّدة. ولإنفاذِ تطبيقِ المعاييـرِ العلميّةِ إنفاذاً صحيحاً، لابُدَّ من أن تكون مصحوبةً بوعي وتأييدٍ من المجتمعات المحليّة في كافّة الأقطار، إلى جانب أدوار المؤسسات العلميّة والمدنيّة والمسؤوليّة الفرديّة في التعامل مع الأدويةِ بإدراكٍ وحذر.
ويأتي احتفالُنا بيوم الصحّة العالمي هذا العام، في ظلِّ متغيّراتٍ كبيرة، شَهِدَها ولا يزال يشهدها عددٌ من بلدانِ إقليمنا ممثّلة بالتحرّكات الشعبيّة المطالبة بالحريّات، وما يصاحبها من مواجهات تتسم بالعنف وتوقع بضحايا من كل الأطراف، مما يحتِّمُ علينا، إلى جانب مواصلةِ العمل نحو الحدِّ من مقاومة المكروبات للأدوية، أن نعمل على حشد الإمكاناتِ لمواجهة التحديّات الراهنة، وتلبيةِ الاحتياجات الصحيّة في دول الإقليم المتأثّرة بتداعيات أعمال العنفِ ضد المدنيين، ومواصلة العمل على تأمين حقِّ الصحّة للجميع، دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الانتماء السياسي.
وقد قامت المنظّمة في هذا السياق بمساندة جهود الإغاثة مع شركائها من المؤسسات المنضوية تحت مظلّة الأمم المتّحدة، والجهات الوطنية المسؤولة في الدول المتأثرة بتداعيات الأوضاع الراهنة، وتمّ توفير إمدادٍ بالأدوية والمستلزمات وتقديم دعم فني للفرق الطبيّة والإسعافيّة العاملة في الميدان، في ظلّ تحديّات كبيرة تعرقل أداءَ الفرق الطبيّة في عدد من البلدان، بل وتهدد سلامة أعضاء هذه الفرق وحياتهم في جملة مَنْ تهددهم من المدنيين، وتُعرِّض المكتسبات الصحية في هذه البلدان، من منشآت ونُظُم صحية للتضرُّر والعَطَب والتوقُّفِ عن توفير الخدمات الصحية لمن هم في أمسِّ الحاجة إليها.
والمنظمة إذ تنهض للاضطلاع بهذه المسؤولية، إنما تفعل ذلك تلبيةً لمهمتها الأساسية وواجبها الأول الذي ينصُّ عليه دستورها، وتعضده سائر القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية.
لقد قطعت البشرية خلال تاريخها أشواطاً بعيدة نحو التطوُّر الصحي والتنمية بكافة صورها، ولا يجوز لأي فئة كانت ولا لأي فرد كان، المساهمة في الإطاحة بهذه المكتسبات وإهدارها بإساءة الاستخدام، أو الاستهانة بحق الصحة نفسه ونعمة الحياة.
فليكن احتفالنا بيوم الصحة العالمي لعام 2011 مناسبةً نؤكد فيها أننا جديرون بما تحقق، وقادرون على الحفاظ عليه رصيداً إنسانياً دائماً.
والله الموفِّقُ لما فيه خير البلاد والعباد،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،