مقابلة مع الدكتور محمد حجر، مستشار وزارة الصحة العامة والسكان للتحصين، وأحد أكبر العقول التي خدمت برنامج التحصين الموسع في اليمن
"لم آتي لهذه المقابلة سوى لأن برنامج التحصين الموسع هو أحد أحفادي،" كانت هذه أول جملة يقولها الدكتور محمد حجر بعد دخوله إلى المكتب.
"في اليمن، من عام 1970 وحتى عام 1976 لم يكن هناك سوى لقاح الجدري وفرق ميدانية تعمل على تغطية المحافظات لهذا اللقاح. لكن في عام 1977 تم تأسيس برنامج التحصين الوطني الموسع بدعم من منظمة الصحة العالمية واليونسيف. كان البرنامج يشمل اللقاحات الأساسية، وهي الشلل، الثلاثي، السل، الحصبة، السعال الديكي والكزاز للنساء"، ويضيف: "بدأنا في ثلاث محافظات وهي صنعاء، تعز، والحديدة—تم اختيارها لوجود الطرقات والكهرباء".
قبل برنامج التحصين الوطني الموسع، كانت هناك فرق أجنبة مثل بيس كوربس، منظمة حماية الطفل، مجموعة نرويجية في محافظة إب، وأخرى سويدية في تعز، كلها كانت تأتي باللقاحات خارج إطار أي برنامج وطني، لكن عندما بدأ البرنامج أدخلوا هذه المبادرات الخارجية ضمن إطار برنامج التحصين الموسع، وتم تزويدهم باللقاحات والنماذج الخاصة بكروت التحصين وكانت تتم متابعة التغطية تحت اشراف المشرفين في كل محافظة.
استمرت التغطية محصورة في هذه المحافظات الثلاث، حتى تم إدماج برنامج الرعاية الصحية الأولية مع برنامج التحصين في عام 1982. بهذا انتشرت وحدات الرعاية وكان هناك في أغلب الوحدات مسؤول تطعيم، مرشد صحي، وبالتالي زادت التغطية ضمن برنامج التحصين الموسع، كما ساهم هذا في إنعاش برنامج الرعاية الصحة الأولية لأن إقبال الناس على التحصين كان أكبر من إقبالهم على خدمات الرعاية الصحية الأولية ووحدات الرعاية.
يستمر الدكتور حجر في سرد تاريخ البرنامج: "في عام 2004 تم اعتماد الجرعة الثانية من لقاح الحصبة الألمانية؛ بينما في عام 2005 تم ادخال لقاح الخماسي (ويشمل الثلاثي، الكبد البائي، والمستديمة النزلية) وكان لهذا أثر كبير في التخفيف من حدوث تلك الأمراض. لكن أحد أهم الإنجازات هو في عام 2009 حين تم اعلان خلو اليمن من فيروس شلل الأطفال الوحشي، حيث ثبت عدم وجود أي أثر للفيروس منذ عام 2006".
استمرت الجهود التكاملية في تعزيز برنامج التحصين الوطني بإضافة لقاحات وإدراج لقاحات محسنّة لأمراض عديدة مثل إضافة لقاح المكورات الرئوية وتغيير لقاح شلل الأطفال الفموي إلى ذلك المُعطى بالحقن مما خفف من انتشار هذه الفيروسات في البلد. كما تم تعزيز أنظمة حفظ اللقاحات وتهيئة سلسلة التبريد متكامة بعد إضافة ما يقارب 15 غرفة تبريد إلى جانب العديد من الثلاجات والمبردات، وتعزيز آليات النقل على جميع المستويات الإدارية للدولة.
كان ذلك لا يتم إلا بوجود الكوادر البشرية التي يتم تدريبها من خلال دلائل للتدريب على كل المستويات، تم كذلك إصدار الدلائل للمساعدة في توزيع المعرفة وتحسين الأداء. كما تم توفير كل الوثائق من سجلات، كروت الأطفال، وكروت النساء، نماذج للتقارير اليومية والشهرية من مستوى الوحدة إلى المديرية إلى المحافظة ومن ثم إلى المستوى المركزي.
في التسعينيات كانت التحصين ضد شلل الأطفال يتم من مواقع ثابتة، حتى عام 2004 حين تم تغيير الاستراتيجية ليتم تنفيذ الحملات من منزل إلى منزل لضمان التغطية الكاملة لجميع الأطفال دون سن الخامسة في جميع المناطق. استمرت هذه الاستراتيجية حتى عام 2021، ليتم حصر اللقاح على المواقع الثابتة في العديد من المناطق في الجمهورية اليمنية.
على مدى عقود طويلة، عمل اليمن على تعزيز الجهود التي تخدم صحة ورفاه البلد، عدى أن النزاع عكس جميع المكاسب الوطنية وأدى إلى شلل عجلة التنمية. اليوم، يشهد اليمن أعلى مستويات للمخاطر الصحية حول العالم، مع زيادة كبيرة في ظهور الأوبئة في الأعوام السابقة مثل الكوليرا، الحصبة، الخُناق، حمى الضنك، شلل الأطفال، وغيرها العديد. بينما محدودية البنية التحتية الصحية العامة والخدمات، مصحوبة بشحة مصادر المياه النظيفة، وزيادة مستويات رفض اللقاحات والتردد من أخذها.
"في السابق، كان يرى الناس التأثير المميت للأمراض بأعينهم، لذلك كانوا يتوافدون لأخذ اللقاح. كان لدى الناس تجارب مريرة من الجدري حيث كان من لم يحصل على التطعيم إما يتشوّه أو يتوفى؛ كذلك الحصبة التي كانت عندما تصيب طفل إما يصاب بالعمى أو يتوفى في أغلب الحالات. فكان عندما بدء حالات الحصبة بالظهور، يكون الإقبال على التطعيم كبير جداً في جميع المراكز. كان لدى الناس وعي بأهمية اللقاح وأنه يمكن أن ينقذ الحياة".
يسترسل قائلاً: "البارحة ذهبت لأحد مواقع التحصين الثابتة، كانت العاملات موجودات لتقديم اللقاح، اللقاح متوفر، وكل الوسائل من سجلات ومتابعين متوفرة، لكن لا توجد أي أسرة مقبلة على التطعيم".
ما كان يُعرف ببرنامج التحصين الموسع، أو المبادرة التي بدأتها منظمة الصحة العالمية، التي تحتفل بعامها الخمسين هذا الأسبوع، أصبح اليوم بُعرف ببرنامج التحصين الأساسي. على مدار السنين، عمل اليمن مع مختلف الحكومات، المجالس المحلية والمنظمات الدولية لبناء برنامج التحصين الموسع من الصفر.
لا تزال هذه الشراكات هي عماد استمرار جهود التحصين في اليمن للوصول وحماية صحة الأطفال من أمراض الطفولة القاتلة التي يمكن الوقاية منها باللقاحات. استمرار هذه الشراكات القوية هي ما سيضمن أن اليمن سيستطيع التعافي من آثار النزاع وحماية مستقبل أطفاله.