الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة في الأردن من منظور جندري

PDF version

هديل عاشور1، إبراهيم العبادي2

Direct-to-consumer advertising for pharmaceuticals in Jordan from a gender perspective

ABSTRACT This study aimed to investigate the extent to which direct-to-consumer advertising (DTCA) for pharmaceuticals is disseminated in Jordan and to identify subsequent gender differences. The study was conducted on two samples: 1) patients (drug consumers) attending Jordan University Hospital, and 2) physicians working at the hospital (prescribers). A questionnaire was distributed to male and female patients (n=550), and based on its results a second questionnaire was designed and distributed to male and female physicians (n=200). The response rate was 93% for patients and 72% for physicians. Although the Jordanian Drug and Pharmacy Law prohibits the public promotion of medicines, consumers remain exposed to pharmaceutical advertising. The top ten drug classes advertised directly to consumers in Jordan included prescription-only drugs. Approximately 45% of the two samples agreed that women were more likely to be targeted by DTCA, while only 2% of them believed that men are more likely to be targeted. However, there was no statistically significant gender difference in attitudes towards pharmaceutical DTCA and tools used.

الخلاصة: هدفت هذه الدراسة إلى التعرّف على مدى انتشـار الإعلانات الدوائية الموجَّهة مباشرة للمستهلك في الأردن والفروق اللاحقة وفقاً لنوع الجنس في ما يتعلق بهذه الإعلانات. وقد أُجريت الدراسة على عينتين هما: 1) المرضى (المستهلكون للدواء) من مراجعي مستشفى الجامعة الأردنية، 2) الأطباء العاملون في المستشفى ذاته (الذين يصفون الدواء). وقد وُزِعَ استبيان على المرضى الذكور والإناث (عددهم 550)، وبناءً على نتائج هذا الاستبيان، صُمّم استبيان ثانٍ خاص بعينة الأطباء من الذكور والإناث، ووزِّع عليهم (عددهم 200). وقد بلغت نسبة المستجيبين للدراسة 93% من عينة المرضى، و72% من عينة الأطباء. وبرغم أن قانون الدواء والصيدلة الأردني يحظر ترويج الأدوية لعامة المجتمع، فإن المسـتهلك الأردني مازال يتعرّض للإعلانات الدوائيــة. وتبيَّن أن أكثر عشر مجموعات من الأدوية التي يتعرّض المستهلك مباشرة لإعلاناتها قد اشتلمت على أدوية لا تُصْرَفُ إلا بوصفة طبية. واتفق ما يقارب 45% من أفراد العينتين على أن هذه الإعلانات تستهدف النساء أكثر من الرجال، في حين أن ما يقارب 2% فقط من أفراد العينتين اعتقدوا أن الإعلانات تستهدف الرجال أكثر من النساء. وبرغم ذلك، لم تكتشـف الدراسة فروقات ذات دلالة إحصائية لنوع الجنس في التوجهات نحو الإعلانات الدوائية الموجهة للمستهلك والوسائل الإعلانية المستعملة.

Publicité directe de médicaments auprès des consommateurs en Jordanie vue sous l’angle de la différenciation hommes-femmes

RÉSUMÉ La présente étude visait à examiner la mesure dans laquelle la publicité directe de médicaments auprès des consommateurs est diffusée en Jordanie, et à identifier les différences hommes-femmes qui en découlaient. L’étude a été menée sur la base de deux échantillons : 1) les patients (consommateurs de médicaments) de l’hôpital de l’Université de Jordanie, et 2) les médecins exerçant à l’hôpital (prescripteurs). Un questionnaire a été distribué aux patients de sexe masculin et féminin (n=550), et sur la base des résultats de celui-ci, un deuxième questionnaire a été conçu pour les médecins de sexe masculin et féminin (n=200). Le taux de réponse était de 93 % pour les patients et de 72 % pour les médecins. Bien que la loi jordanienne sur les médicaments et les pharmacies interdise la promotion publique de médicaments, les consommateurs restent exposés à la publicité de produits pharmaceutiques. Le top dix des classes de médicaments faisant l’objet d’une publicité directe auprès des consommateurs en Jordanie incluait des médicaments disponibles uniquement sur ordonnance. Près de 45 % des deux échantillons ont convenu que les femmes étaient plus susceptibles d’être ciblées par la publicité directe auprès des consommateurs, et seulement 2 % pensaient que les hommes étaient plus susceptibles de l’être. Néanmoins, aucune différence hommes-femmes significative d’un point de vue statistique dans les attitudes à l’égard de la publicité directe de médicaments auprès des consommateurs et des outils utilisés n’a été observée.

1 صيدلانية، ماجستير دراسات المرأة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن

2 أستاذ، قسم الصيدلة الحيوية والسريرية، كلية الصيدلة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن

 الباحث الرئيسي: ابراهيم العبادي: البريد الإلكتروني: 

(This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it. ، This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it. Received: 23/6/15; accepted: 06/06/16)


المقدمة والهدف من الدراسة

دخل مفهوم الجندر إلى عالمنا العربي خلال التسـعينيات من القرن العشرين وقد أُختلف على ترجمـة هذا المفهوم، فعُـرِّب بكلمة جنـدر، أوالنـوع، أوالنـوع الاجتماعي. وبالرغم من الالتباس الذي لا يزال يرافق هذا المفهوم، خاصة في اللغة العربية، إلاّ أنه استُخدم في مجتمعاتنا العربية في المجالات البحثية والقطاعات التنموية (1). وجرى تعريفه من قبل صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة -المكتب الإقليمي للدول العربية، على أنه تلك العلاقات والأدوار الاجتماعية التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين (الرجل والمرأة) والتي تتغير وفقاً لتغير المكان والزمان، وذلك لتداخلها وتشابكها بعوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وبيئية مختلفة (2) بينما يشير الجنس ببساطة شديدة إلى الاختلافات البيولوجية الطبيعية بين الرجل والمرأة.

تنتشر في معظم بلدان العالم نشاطات الترويج الدوائي بكافة أشكاله، مثل زيارات مندوبي شركات الأدوية للأطباء وتوزيع المنشورات والعينات المجانية والهدايا الشخصية بالإضافة إلى الإعـلانات المنتشرة كـالملصقات والنشـرات التثقيفيـة (3) وهذا النوع من الترويج مسموح به قانونـاً مادام يسـتهدف العـامليـن في القطاع الصحي (الأطبـاء والصيادلـة) وغير موجه للمسـتهلكين من عامـة المجتمع، ويلتزم بالمعايير الأخلاقيـة التي تحـددها الدولة بقانونـها الدوائـي. ومـع أن قـانون الـدواء والصيدلـة في الأردن (المادة 35) قد حظر الإعلان بهدف الترويـج عن أي دواء أو أي مـادة لهـا صفة دوائية أو تركيبة حليب الرضّع والأغذية التكميلية للرضّع، بأي وسيلة من وسـائل الإعـلام المقـروءة أو المرئيـة أو المسموعة أو أي وسيلة أخرى، إلا بعد موافقة الوزير والنقابة، وذلك باستثناء النشر والإعلام الدوائي الموجه للجهات الصحية شريطة الالتزام بصحة تلك المعلومات، كما أنه تضمـّن معـايير أخلاقيـة لترويـج الأدويـة (4)، إلا أن وجود هذا لا يمنع من أن تكون الممارسـة الواقعيـة شـيئاً مختلفاً كما هو حاصل في الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة والتي تهدف إلى ترويج أي مسـتحضر دوائي، سـواء كان المسـتحضر يُصرف بوصفة طبية أو يُصرف مباشرة دون وصفة طبية، باستخدام وسائل إعلام مختلفة منها الوسائل المرئية (القنوات الفضائية والانترنت)، والمسـموعة (الراديو)، والمقروءة (الجرائد، المجلات، المنشورات، والملصقات بأنواعها)، أو عن طريق ما يطلق عليه الإعلان الخفي من خلال الأخبار والحملات التوعوية التي تدعمها الشركات الدوائية. وتستهدف هذه الإعلانات عامة المجتمع من مستهلكي الدواء أكثر من استهدافها لواصفي الدواء من القطاع الصحي (الأطباء والصيادلة) (5). ورغم أن جميع بلـدان العالم يحظر قانونهـا الصيدلاني هـذا النـوع مـن الترويج الـدوائـي بالإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة – باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية ونيـوزيلندا – (6) إلا أنه بدأ يشـق طريقه عبر القنوات الفضائية والشـبكات الإلكـترونية في الآونـة الأخيرة مسـتهدفاً المسـتهلكين من الأصحّاء والمرضى. وقد نشطت العديد من المنظمات الغربية غير الحكومية في تنظيم حملات محلية ودولية تدعو إلى التوعية ومحاولة الحدّ مما سمحت به إدارة الأغذية والدواء الأمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1997م، عندما رفعت القيود المفروضة على الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة. وكانت للحركة النسائية في الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة فاعلة في هذه الحملات ذلك لأن الكثير من هذه الإعلانات تسـتهدف صحة المـرأة كما يعتقدن .(7) وتكمن حجة معارضي الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة - بمن فيهم الحركة النسـائية في الولايات المتحدة الأمريكية - بأن هذه الإعلانات تسـتخدم معلومات غالباً مـا تكون مضللة تقلل لأدنـى حد من مخاطر الدواء وتبالغ في إبراز مزاياها (8)، وتسعى لتسويقها قبل أن يكتمل التأكد مـن سلامتها وفعاليتها (9)، فتؤثـر بذلك على صحة المستهلك وسلوكـه وعلاقتـه بالطبيـب (10). أما مؤيدو هذه الإعلانات فقد أكدوا على أهميتها كأداة لتعليم المستهلك وحثه على مناقشة مرضه مع طبيبه بطريقة أكثر فاعلية (11) لاتخاذ قرارات الرعاية الصحية الخاصة به. وعلى الرغم من أن مؤيدي هذه الإعلانات -المتمثلين غالباً بالشركات المصنّعة للدواء- يطرحون الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة كوسيلة للتعليم والتوعية الصحية، إلا أن هذه الوسيلة قد تُحوّل الوعي الصحي لدى المجتمع إلى منحى تجاري (10)، فالمستهلك يحتاج إلى معلومات دوائية مستقلة، وموضوعية توازن بين فوائد ومخاطر الدواء.

إن الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة تتزايد باستمرار، وأصبحت بديلًا إعلاميًا جذابًا للمصانع الدوائية، وذلك بسبب المشاكل التي تواجهها شركات الأدوية من اتساع سوق الدواء وقوة المنافسة، وتدنّي كفاءة مندوبي مبيعات الأدوية، وتزايد الاعتماد على الإنترنت في سوق الاستهلاك (10). ففي أمريكا مثلا رأى حوالي 86% من جميع المستهلكين للأدوية أو سمعوا عن الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة، ونحو 35% قاموا بالاستفسار عن الأدوية – المعلن عنها – خلال زيارتهم للطبيب، حيث دفعهم الإعلان عن هذه الأدوية للقيام بذلك. بالرغم من الاهتمام بالعواقب السلبية للإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة، لم يُلاحظ أي فروق (فيما يتعلق بالتأثيرات الصحية) بين المرضى تناولوا أدوية معلن عنها والمرضى الذين تناولوا أدوية صرفت لهم بموجب وصفة طبية (غير معلن عنها) (12). وكان الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة والأصغر سـناً والمتعلمون أكثر قدرةً وعرضةً لرؤية وسماع عدد كبير من الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة مقارنة بالمرضى الأكبر سناً والأقل تعلمًا (13). وبرغم عدم تأييد غالبية الأطباء في نيوزلندا لمنع الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة إلا أنهم أكدوا على أهمية إيجاد ضوابط صارمة لتنظيم مثل هذه الإعلانات (14). أما في بريطانيا فتبيّن وجود ثمة علاقة ما بين الإعلانات الدوائية وعدد الوصفات المتزايدة لمنتجات الأدوية المعلن عنها، كما كان هناك تأثير جوهري لهذه الإعلانات على طلب المرضى لنوع معين من الأدوية من الأطباء، بالإضافة إلى تأثيرها على قناعة الأطباء في وصف هذه المنتجات (15).

تبرز مشكلة الإعلانات الدوائية الموجهة للمستهلك مباشرة في بلادنا العربية النامية أكثر منها في الدول الغربية المتقدمة، حيث تُباع نسبة كبيرة من الأدوية - باستثناء الأدوية المخدرة - دون وصفة طبية ، حتى في الدول العربية الأخرى كما في الأردن برغم عدم قانونية هذا الإجراء (4)، مما يثير القلق خاصة وأن معظم الدول العربية لا تتمتع برقابة دوائية مستقلة بشكل كامل (16)، بالإضافة إلى تزايد الضغوط الاقتصادية والتي تدفع بالمستهلك لشراء الأدوية مباشرة من الصيدلاني دون اسـتشـارة الطبيب لتقليل التكلفة المادية التي يدفعها المريض عند اسـتشـارة الطبيب وزيارته (17). أمـا من الناحية الاجتماعية أو الجندرية فإن هناك تركيزًا من قبل الشركات الدوائية في العالم على دور المرأة الاجتماعي والمتمثل في الرعاية الصحية للأسرة كما أن هناك عملية جندرة (تضمين الجندر) لبعض الأمراض بمعنى تحديد مرض معيّن لجنـس معيّن، وذلك بتركيز الإعلانات الدوائية على جنـس أكثر من الآخر، ومثال على ذلك الصداع النصفي المعروف بالشقيقة، الأمر الذي يخلق انطباعًا لدى عامة المجتمع أن ذلك المرض يقتصر على جنس مُعيّن (18).

وتصل وسائل ترويج الأدوية بسهولة إلى بلادنا، نتيجة للانتشار الواسع لوسائل نقل المعلومات التكنولوجية الحديثة. وقد جذب هذا انتباه المنظمات غير الحكومية في المجتمع المدني الأردني لتقصّي قضية ترويج الدواء للمسـتهلك مباشـرة وجعلها من ضمن أولوياتهم في القضايا الصحية التي طالما اقتصرت على الصحة الإنجابية والتخطيط الأسـري والأمراض المعدية بشكل عام. فقضايا الدواء -التي لا تلقى اهتماماً جيداً من قبل مؤسسات المجتمع المدني الأردني- تشمل جميع الممارسـات الخاطئة للدواء، ابتداءً من الوصف غير الرشيد للأدوية من قبل الأطباء والصرف غير الرشيد للدواء من قبل الصيادلة واتباع أسـاليب ترويج غير سـليمة أحياناً والأدوية المشـكوك بفاعليتها ومأمونيتهـا (الأدوية المزوّرة)، انتهاءً بمحاولة الوصول إلى مستهلكي الدواء رجالاً ونساءً كما هو حاصل في الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة. وترتبط قضايا الدواء بشكل أساسي بقضية الرعاية الصحية التي تعتبر أحد أبرز مؤشرات التنمية الشاملة في المجتمع.

وقد هدفت هذه الدراسة إلى التعـــرّف على مــــدى انتشار الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة في الأردن، والتعرّف على الفروق الجندرية بين الأفراد فيما يتعلق بهذه الإعلانات. والنتائج التي ستخلص إليها هذه الدراسة ستفيد في وضع آليات للتعامل مع هذه الظاهرة ووضعها في إطار قانوني وتثقيفي لمستخدمي الدواء.

منهجية الدراسة

تكوّن مجتمع الدراسة من فئتين: فئة "مستهلكو الدواء" المتمثلة بمرضى من مراجعي مستشفى الجامعة الأردنية خلال أسبوعين. واختيرت عينة ملائمة وقصدية تمثل أكثر من 7% من مجتمع الدراسة (50N=) تحتوي على أفراد يستخدمون الوسائل الإعلامية بانتظام مثل التلفاز، والجرائد، والإنترنت وذلك وفق شروط محددة. وأما فئة "واصفو الدواء" المتمثلة بأطباء عاملين في المستشفى ذاته فقد حسبت منهم عينة احتمالية (عشوائية بسيطة) مثَـلت أغلب التخصصات المتوافرة وبعدد (200) طبيب وطبيبـة ما يعادل (57%) من مجمل عدد الأطباء في ذات الفترة.

وقد صُمِّمَت استبانتان، الأولى لمراجعي ومراجعات مسـتشـفى الجامعة الأردنية، وبناءً على النتائج الأولية لها صُمِّمَت الاستبانة الثانية الخاصة بأطباء وطبيبات المستشفى. وقد جرى الاستعانة بنموذجين من الاستبانات التي استخدمت في دراستين قام بهما البروفسور جويل فايسمان من جامعة هارفرد الأمريكية:

“Consumer’s Reports on the Health Effects of Direct-To-Consumer advertising”

“Physicians Report on Patient Encounters Involving Direct-To-Consumer Advertising”

والتي حصلنا عليهما بعد مراسلة البروفسور فايسمان الذي أرسلها مشكوراً عبر البريد الإلكتروني. وأُجريت التعديلات والإضافات المناسبة كي تلائم الأردن (12). واختُبِرَ مستوى الصدق الظاهري لأداة جمع المعلومات من خلال عرضها على مجموعة مكوّنة من سبعة محكمين من أساتذة من أقسام مختلفة في الجامعة الأردنية تضمنت كلية الصيدلة وعلم الاجتماع ومركز دراسات المرأة، وخبيرة في التحليل الإحصائي من الجامعة الأردنية. وأُعدت الصيغة النهائية للاستبانتين بعد تنقيحهما اعتماداً على الملاحظات الواردة من المحكمين. ولاختبار مدى الثبات الداخلي للأداة، طُبقت استبانة المراجعين على عينة مؤلفة من ثلاثين مراجعًا ومراجعة خارج نطاق العينة وكذلك لعينة الأطباء، وحُسِبَ معامل الاتسـاق الداخلي للأداة باستخدام اختبار كرونباخ ألفا. وحُلِلِت النتائج بواسطة برنامج الحزم الإحصائية للعلوم الاجتماعية (SPSS). واستخدم مقياس ليكرت الخماسي (موافق بشدة، موافق، لا أعلم، غير موافق، غير موافق بشدة) لقياس اتجاهات أفراد العينة، حيث اعتُمِدَت قيّم الوسط الحسابي على القياس التالي: 1 = غير موافق، 2 = لا أعلم، 3 = موافق، حيث إن غير موافق = غير موافق بشدة + غير موافق (لأغراض التحليل الإحصائي)، وموافق = موافق بشدة + موافق (لأغراض التحليل الإحصائي). كما استخدم المقياس الرباعي (غالباً، أحياناً، نادراً، نهائياً) لقياس مدى تعرّض أفراد العينة للإعلانات الدوائية من خلال وسائل الإعلام المختلفة، واعتُمِدَت قيم الوسط الحسابي على القياس التالي: 1 = نهائيًا، 2 = نادرًا، 3 = أحيانًا، 4 = غالباً. كما استخدمت الأساليب الإحصائية التحليلية التي شملت اختبار تحليل التباين أنوفا، لمعرفة الفروقات الجندرية لأبرز محاور الدراسة. واستخدم اختبار-تي(t-Test) لمعرفة الفروقات في الآراء بين عينة المراجعين وعينة الأطباء في المحاور المشتركة بينهما. كما استُخدم اختبار كرونباخ ألفا لقياس ثبات أداة القياس (الاستبانة).

النتائج

بلغت قيمة (α) لقياس الثباتية لإجمالي استبانة المراجعين 0.93 (نسبة المستجيبين 98%، نسبة المقبول 93%)، و0.762 لإجمالي استبانة الأطباء (نسبة المستجيبين 73.5%، نسبة المقبول 72%)، وهما قيمتان أعلى من المقاييس المتعارف عليها للثبات (0.60) مما يؤكد الثبات والتناسق للمقياس. جدول رقم (1) و(2) يبيّنان خصائص العينتين.

ويبيّن جدول رقم (3) الأدوية التي يتعرّض المستهلك الأردني لإعلاناتها والتي تصنف إلى: أدوية تباع بدون وصفة طبية، وأدوية لا تباع إلا بوصفة طبية. ويلاحظ أن الأدويـة التي اختيرت من أفراد العينـة، احتوت على أدوية لا تباع إلا بوصفة طبية مثل: أدوية السكري، والمضادات الحيوية، وأدوية التهاب المفاصل، وحبوب منع الحمل، وأدوية معالجة السمنة، وأدوية حب الشباب. كما يلاحظ من خلال تحليل الجدول أن الأدوية التي اختيرت من أفراد عينة الأطباء لم تقتصر على أدوية تباع بدون وصفة طبية، وإنما احتوت على أدوية لا تباع إلا بوصفة طبية مثل: أدوية السكري، وأدوية التهاب المفاصل، وأدوية معالجة السمنة، وأدوية الاضطرابات الجنسية، وأدوية حب الشباب، وأدوية الأرق واضطرابات النوم.

ظهر انسـجام ملحوظ في نتائج إجابـات كل من عينـة المراجعين وعينة الأطبـاء في المحاور الأربعة المشتركة بينهما وهي: مدى تعرّض أفراد المجتمع الأردني للإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة، والأدوية التي يتعرّض المستهلك لإعلاناتها، واتجاهاتهم نحو الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة، والفئة التي يعتقدون أنها الأكثر استهدافاً من قبل هذه الإعلانات. بالإضافة إلى توافق نتائج العينتين فيما يتعلق بالكشف عن الفروق الجندرية في المحاور التي لزمت لذلك. وهذا الأمر ساهم في توضيح الصورة بشكل أفضل.

نتائج عينة المراجعين

يظهر جدول رقم (4) نتائج دراسة عينة المراجعين والتي تتمثل في أن أعلى وسيلة يتعرّض المستهلك من خلالها للإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة هي المطويات والملصقات في غرفة انتظار الطبيب أو الصيدليات، يليها التلفاز، ثم الجرائد والمجلات، تلتها الدعايات من خلال الحملات الطبية أو المعارض فالإنترنت، بينما احتل الراديو المرتبة الأخيرة ضمن جميع الوسائل. كما يبين التحليل أنه لا توجد فروقات ذات دلالـة إحصائيـة في الوسـائل التي يتعرّض من خلالها المستهلك للإعلانات الدوائية تعزى لمتغير الجنس أو بمعنى آخر لا توجد فروق جندرية في الوسائل التي يتعرّض من خلالها المستهلك للإعلانات الدوائية.

وقد وجد أن أعلى مصدر يلجأ إليه المسـتهلك للحصول على المعلومات حال شعوره بأعراض مرضية هو زيارة الطبيب، وهذا مؤشر جيد، وفي المرتبة الثانية، الاعتماد على الأدوية المتوافرة في المنزل وهو ما يعرف بالتطبيب أو المداواة الذاتية، يتلوه زيارة المراكز الصحية، ثم استشارة الصيدلاني فأستشارة أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء ومتابعة البرامج الصحية على التلفاز والمذياع، وبعدها الاعتماد على قراءة كتاب طبي حول المرض والاعتماد على قراءة مقالات طبية في الجرائد والمجلات والمنشورات وأخيرًا الاعتماد على الطب العربي أو الطب البديل والبحث في المواقع الإكترونية عبر الإنترنت.

يُظهر التحليل في الجدول نفسه أن أفراد عينة المراجعين يعتقدون أن سـلبيات الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة تفوق إيجابياتها. حيث إن عينة المراجعيـن لا توافق على أن يجعل المريض أقل اعتماداً على حكم الطبيب وتشـخيصه للمرض والعلاج، ولا تعطي معلومـات عن فوائد ومضار الدواء بشكل متوازن بل تشجّع على تسويق الدواء قبل أن يكتمل.

التأكد من سلامته وفاعليته مما يعتبرها أحد أسباب ارتفاع سعر الدواء وتتسبب بشراء أدوية غير ضرورية يمكن الاستغناء عنها بطرق أخرى. بينما ترى العينة أن الإعلانات الدوائية مصدر جيد للتعرف على أعراض المرض وكيفية علاجـه وتسـاعد المريض على مناقشـة مرضـه والدواء مع الطبيـب أو الصيدلاني بشكل أكثر فاعلية. كما يبين التحليل عدم وجود فروق جندرية في اتجاهات الذكور والإناث لدى أفراد العينة فيما يتعلق بالإعلانات الدوائية.

أما فيما يتعلق بالفئة الأكثر استهدافاً من الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة، يظهر من النتائج أن النسبة العالية يعتقدون أن النساء مستهدفات أكثر من الرجال مع عدم وجود فروق جندرية في اعتقادات الذكور والإناث لدى أفراد عينة المراجعين للفئة المستهدفة من قبل الإعلانات الدوائية. كما اتفق أفراد العينة على أن أكثر الأسباب لذلك هو أن النساء أكثر تأثراً بالإعلانات الدوائية وأكثر تعرضاً للوسائل التي تعرض فيها هذه الإعلانات من الرجال، دون وجود فروق جندرية في اعتقادات الذكور والإناث.

وقد أظهرت النتائج كذلك أن حوالي ثلاثة أرباع المرضى لا يطلبون من الطبيب وصف دواء معين بناءً على رؤيتهم أو سماعهم لإعلان دوائي عنه، وفي الوقت نفسه نصف البقية الذين طلبوا من طبيبهم وصف دواء بناء على رؤيتهم أو سماعهم لإعلان دوائي عنه، لم يرفض طبيبهم طلبهم ووصف ذلك الدواء لهم. ومن الجدير بالذكر أنه عندما سئل أفراد عينة المراجعين عن مدى اهتمامهم بسماع الاسم التجاري (الماركة) لدواء ما عند التعرض لأي إعلان دوائي، كانت إجاباتهم تُظهر فكرة الولاء للعلامة التجارية (الماركة) بوضوح.

نتائج عينة الأطباء

بيّنت نتائج دراسة عينة الأطباء أنهم يعتقدون أن المستهلك يتعرّض للإعلانات الدوائية بوسائل مختلفة أعلاها المطويات والملصقات في غرفة انتظار الطبيب أو الصيدليات. وبذلك تتفق نتائج عينة الأطباء مع عينة المراجعين في هذا الخيار. جاء بعدها التلفاز، ثم المجلات والجرائد والإنترنت والدعايـات من خلال الحملات الطبية أوالمعارض، واحتل الراديو المرتبة الأخيرة ضمن جميع الوسائل. كما لم يوجد تباين في اعتقادات عينة الأطباء للوسائل التي يتعرّض من خلالها المستهلك للإعلانات الدوائية لدى كلا الجنسين. إن أكثر مصدر تعتقد عينة الأطباء أن عامة المجتمع يعتمد عليه للتعرف على المعلومات الدوائية هو الحديث المتناقل بين العائلة والأصدقاء والجيران أو ما يسمى بـ

Word of the mouth، بينما الإعلانـات سـواء كانت من خلال التلفاز أو الراديـو أوالصحف أوالمجلات والمعلومات الطبيـة (ليسـت إعلانية) من خلال الوسائل المرئية أو المسموعة مثل التلفاز أو الراديو، أو من خلال الوسائل المقروءة كالصحف أو المجلات بدرجة أقل. و جاءت أخيرًا المطويات في غرف انتظار الطبيب أو الصيدليات والمواقع الإلكترونية على الإنترنت. ومن الجدير بالذكر عند سؤال عينة الأطباء عن مدى دقّة المعلومات الدوائية التي يطرحها المراجع أثناء حديثه مع الطبيب خلال زيارته، كانت إجابة أغلبية العينة أنها غير دقيـقة.

يشير تحليل النتائج أن أفراد عينة الأطباء يعتقدون أن سلبيات الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة تفوق إيجابياتها كما هو الحال لدى عينة المراجعين. حيث توافق عينة الأطباء على أن الإعلانات الدوائية تجعل المريض أقل اعتماداً على حكم الطبيب وتشخيصه للمرض والعلاج بعكس اتجاهات عينة المراجعين، ولا تعطي معلومات عن فوائد ومضار الدواء بشـكل متوازن بل تشجّع على تسـويق الدواء قبـل أن يكتمل التأكد من سلامته وفاعليته. وتعتبرالإعلانات الدوائية أحد أسباب ارتفاع سعر الدواء وشراء أدوية غير ضرورية. وترى العينة أن الإعلانات الدوائية تزيد من إلحاح المريض على وصف دواء معين، وأنها تؤثر سلباً على علاقة المريض بطبيبه. ومن جهة أخرى تتفق عينة الأطباء مع عينة المراجعين على أن الإعلانات الدوائية مصدر جيد للتعرف على أعراض المرض وكيفية علاجه وتساعد المريض على مناقشة مرضه والدواء مع الطبيب أو الصيدلاني بشكل أكثر فاعلية. مع عدم وجود فروق جندرية في اتجاهات الذكور والإناث لدى أفراد عينة الأطباء فيما يتعلق بالإعلانات الدوائية. كذلك يعتقد الأطباء أن النساء مستهدفات أكثر من الرجال مع عدم وجود فروق جندرية في اعتقادات الذكور والإناث لدى أفراد العينة للفئة المستهدفة من قبل الإعلانات الدوائية. أما فيما يتعلق بالفروق الجندرية، فيبيّن التحليل عدم وجود فروق جندرية بين اعتقادات الذكور والإناث لدى أفراد العينة للأسباب الكامنة وراء استهداف النسـاء أكثر من الرجـال.

يتضح أن المرضى يطلبون من أطبائهم وصف دواء معين، وأيضاً أن هناك استجابة من قبل الطبيب لوصف ذلك الدواء، كما أن قيم الانحـراف المعيـاري كانت متدنيـة وهذا دليـل على تجانس إجابات أفراد عينة الأطباء.

الجدول 5 نتائج دراسة عينة الأطباء

المناقشة

إن الانسـجام الملحوظ بين نتائج إجابات أفراد العينتين في المحاور المشتركة بينهما، حيث كان هناك توافق بين نتائج عينة الأطباء -التي تعتمد على خبرتهم العملية- مع نتائج عينة المراجعين في جميع المحاور، شكّل دعماً واضحاً للنتائج وساهم في توضيح الصورة بشكل أفضل.

بدأ المهتمون بإعلانات الأدوية التي تستهدف المستهلك مباشرة مراقبة أثرها على أرض الواقع، فقد لوحظ فـي الولايـات المتـحدة الأمريـكية –على سبيل المثال- عام 2005 زيـادة وصف أدويـة اضطـرابـات النـوم تقـدر بمعدّل (60%) مقارنة بعام 2004، وارتبطت أسباب تلك الظاهرة، بانتشار إعلانات تخص هذه الأدوية وموجّهة للمستهلك مباشرة، مثل دواء ®Ambien

و®Lunesta. وكباقي الأعراض الجانبية لهذه الأدوية التي تسـبب النعاس، فإن كثرة اسـتخدامها قد يؤدي إلى الاعتماد عليها، وزيادة نســبة حـوادث السـير، والانهيارات العصبية. وجدير بالذكر أن شخصًا واحدًا فقط من كل 13 شخص يستفيد مـن العـلاج بأدويـة اضطـرابـات النـوم مقارنة بمن يُعالَجون بدواء زائف - وهي أدويـة لا تحتوي علـى مـادة علاجية فعـّالة وتعطى لإرضاء المريض (19).

على الرغم من أن قانون الدواء والصيدلة في الأردن يمنع الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة، فإن المستهلك الأردني يتعرّض لهذه الإعلانات بوسائل مختلفة. وتعتبر المطويات والملصقات المنتشرة في غرفة انتظار الطبيب أو في الصيدليات من أكثر الوسائل التي تُستخدم لهذا الغرض. وبما أن نتائج هذه الدراسة بيّنت أن أكثر المصادر التي يلجأ إليها أفراد العينة من المراجعين حال شعورهم بأعراض مرضية هي زيارة الطبيب، فهذا يؤكد على فرصة تعرّض أفراد المجتمع لهذا النوع من الإعلانات من خلال المطويات المنتشرة في الأماكن التي يرتادها أي فرد من عامة المجتمع.

احتوت أكثر 10 مجموعات من الأدوية التي يتعرّض لها المستهلك مباشرة في عينة الدراسة، على أدوية لا تُباع إلا بوصفة طبية وتكمن خطورة هذا الأمر، في أن معظم أنواع الأدوية تقريباً ـ باستثناء الأدوية المخدّرة ـ تُشترى من الصيدليـات في الأردن دون وصفة طبية، برغم عدم قانونيـة هذه العمليـة (4)، وهذا ما أكدته الدراسة التي بيّنت أن أكثر من (60%) من عينة الدراسة كانوا يشترون أدوية المضادات الحيوية في الأردن من الصيدليات مباشرة دون وصفة طبية (20). وهذا بدوره يشـجّع على تفشي ظاهرة سوء استخدام الدواء، الذي يشكل خطورة على الصحة العمومية. كما أن الترويج الدوائي الذي تقوم به شركات الأدوية يعتبر مصدرًا رئيسيًا للمعلومات الدوائية لدى الأطباء (21)، وأن الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة – كما أظهرت نتائج هذة الدراسة- تسـاعد المريض على مناقشـة مرضه والـدواء مع الطبيب أو الصيدلاني بشـكل أكثر فاعليـة.

تَظهر فكرة الولاء للعلامـة التجارية بوضوح لدى أفراد عينة المراجعين، وهذه الظاهرة ليست صحية سواء على عامة المجتمع أو على الأطباء. حيث إن الإعلان الدوائي يُصمّم عادة لخلق الولاء للعلامة التجارية، الأمر الذي يُشعر المرضى بأن فاعلية الدواء تقتصر على استخدام هذا المنتج. ويَخلق انطباعًا لدى الأطباء أيضاً بأنه لن يكون من الحكمة وصف أي دواء مختـلف عن الأدوية التي تروّجها هذه الشركات. وتنسجم هذه النتيجة مع ما توصلت إليه دراسـة في محافظة إربد في الأردن (22)، والتي بيّنت نتائجها أن هناك انخفاضًا شـديدًا في النسبة المئوية للأدوية الموصوفة بالاسم العلمي.

وفيما يتعلق بالمنظور الجندري لتلك الإعلانات تبيّن أنه لا توجد فروق جندرية بين الرجال والنساء لا في اتجاهاتهم نحو الإعلانات الدوائية الموجهة للمستهلك مباشرة، ولا في الوسائل التي يتعرّضون من خلالها لهذه الإعلانات، وهذا يبعدنـا عن احتمال أن أحد الجنـسين يتواصل مع هذه الوسائل أكثر من الآخر. وعلى الرغم من هذا التجانس؛ والذي يعتقد أن له أثرًا في تشكيل اتجاهات الأفراد التي تُعبر عن التراكم المعرفي الذي يشكّل قيمهم ومعتقداتهم، والتعرّض للإعلانات له أثر على المنهج السـلوكي للأفراد (23)، إلا أننا نجد أن هناك فجـوة جنـدرية في اعتقادات أفراد العينتين للفئة الأكثر اسـتهدافاً من الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة، وذلك بسـبب الاعتقاد بأن النسـاء أكثر تأثراً بالإعلانات الدوائية من الرجال. الأمر الذي يقود للقول بأن هناك حكمًا مسـبقًا اتُفق عليه ذكور وإناث العينيتن قد يكون ناتجًا عن تأصّل صورة المرأة النمطية في المجتمع؛ والتي تلعب مؤسسات التنشئة الاجتماعية بما فيها الأسرة والمدرسة بشكل عام والإعلام بشكل خاص، والركام الموروث من الأعراف، دوراً فعالاً في تكريسها أو بالأحرى في تكريس ما يسمى بالتنميط الجندري، وهو الصورة الذهنيـة المتوقعـة التي يحددها المجتمع لكلا الجنسـين من الذكـور والإناث (24). حيث تظهر مؤسسات الإعلام صورة المرأة غالباً وكأنها شيء سهل الانقياد، وهذا ما أكدت عليه بعض المفكرات النسويات أمثال شيلا جيفيز وآن أوكلي، والنظر للمرأة كأنها شيء سهل الانقياد، له وقعه على المرأة في مواقف واضحة في الحياة اليومية (25)، فتشكلت صورة للمرأة وكأنها يغلب عليها طابع التهميش، والتبسيط، والسلوك الاستهلاكي، والتركيز على الشكليات، وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات (26)، كل ذلك أدى بطبيعة الحال إلى تشكيل ثقافة مجتمعية تحكم على المرأة بأنها المستهدفة أكثر من الرجل. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن احتواء الإعلانات بشكل عام والإعلانات الدوائية بشكل خاص على صور للنساء، يقود إلى الاعتقاد بأن الإعلانات تستهدف ـ أحياناًـ النساء (27).

أما ما قد يفسر اختيار عينتي الدراسة لعبارة "أن أكثر هذه الإعلانات متعلقة بأدوية خاصة بالنساء"، فقد يكون سبب الاختيار ناتجًا عن الانطباع الذي تشـكّله سياسة بعض الشركات الدوائية لإعلاناتها من خلال اسـتراتيجيتهـا التسـويقية لدواء يعالج مرضًا معينًا من زاوية جنس واحد فقط، مثل الدعاية لأدوية الصداع النصفي (الشقيقة) في أمريكا (18) والتي تُظهر النساء على أنهن المعانيات الوحيدات تقريباً لهذا المرض -هذه الاستراتيجية تخلق انطباعاً بأن الصداع النصفي "مرض نسـوي". فقد بيّنت نتائج الدراسة أنه برغم أن هذا المرض يصيب النساء بمقدار 3-2 أضعاف إصابته للرجال، إلا أن إعلاناته التسويقية تُظهر النساء على أنهن المعانيـات من المرض (8) بأكثر مما تُظهر معاناة الرجال منه. كما بيّنت من خلال الاستنتاج الذي خرجت به أن الصناعة الدوائية عملت على جندرة إعلانات الصداع النصفي باسـتخدام عدة وسـائل وهي: جندرة الصور، وجندرة اللغة أوالمجاز، وجندرة الخطاب. ويمكن استبعاد أن يكون السبب الحقيقي إلى حدٍ مـا في اختيار العينة لهذه العبارة - أن أكثر هذه الإعلانات متعلقة بأدوية خاصة بالنساء، حيث نجد أن غالبية الأدوية التي اشـترك في اختيارها عينة المراجعين وعينة الأطباء، كانت تعالج أمراض يُصاب بها الذكور والإناث معاً، وهي: الفيتامينات والمسكّنات وأدوية الزكام، والسعال، وأدوية السكري، وحب الشباب، وأدوية علاج الوزن الزائد، والتهاب المفاصل والدواء الوحيد الذي يخص النساء هو أدوية منع الحمل.

ومن جهة أخرى هنالك توجهات حديثة تؤكد على أهمية أخذ الفروق الجندرية بعين الاعتبار في المجال الطبي وخاصة في قضايا تشخيص الأمراض (28). ومثال ذلك أحد أمراض القلب المعروف بالذبحة الصدرية، الناتج عن نقص تروية القلب، والمُنمَط على أن المصاب بهذا المرض غالباً من جنس الرجال، حيث إن أشـهر عَرَض يُشخَّص من خلاله هذا المرض هو الألم الحاصل عند منطقة الصدر، بينما نجد أن هذا العرض غائب لدى النساء اللواتي يصبن بنفس المرض، حيث إن الإرهاق هو العَرَض الأساسي لديهن (29). وعلى هذا الأساس قد يكون عدم الانتباه للاختلافات الجندرية في أعراض المرض سبباً في ارتفاع نسبة أعداد الوفيات من النساء نتيجة لهذا المرض مقارنة بالرجال.

إن اعتقاد عينتي المراجعين والأطباء واختيارهما لعبارة "أن النساء غالباً هن المسؤولات عن الرعاية الصحية في الأسرة" قد يكون سـبباً وجيـهاً لاعتقادهم، حيث إن أبرز دور اجتماعي تختص به النسـاء عن الرجال في المجتمع هو "الدور الإنجابي" والذي لا يمثل فقط الإنجـاب من الناحيـة البيولوجيـة، وإنما يمثل مسـؤوليات الرعايـة والتربيـة وجميع الأعمـال المرتبطة بذلك (1). وهذا ما أكدته دراسة أخرى بيّنت أن سياسة التسويق تعي تماماً دور المرأة الأساسي في الرعاية واتخاذ القرارات الصحية، لهذا تولي الشركات الدوائية اهتماماً كبيراً بالنساء كفئة مستهدفة لمنتجاتها الدوائية (18). كما أن المجلات النسـائية تحتوي على عدد من الإعلانات الدوائية أكثر من العدد الذي تحتويه المجلات الخاصة بالرجال، وتوجد إعلانات دوائية ذات توجه وميل عاطفي في المجلات النسائية أكثر منه في المجلات المتعلقة بالرجال (27).

أما فيمـا يتعلق بالاختيار الأخير لأفراد عينـة الدراسـة وهو "أن النسـاء يتـرددن على الصيدليات أكثر من الرجال"، فهذا السبب يتعارض مع نتائج الدراسة (20) التي بيّنت أن الرجـال يتـرددون على الصيدليات أكثر من النســاء في المجتمع الأردني، وهذا يتوافق مع طبيعة الدور الإنتاجي للرجال في مجتمعاتنا العربية، حيث إن الرجل غالباً ما يكون هو المعيل الأول للأسرة. كما قد يكون عامل سهولة تنقل الرجال مقارنة بالنساء في مجتمعاتنا سبباً لذلك.

التوصيات

بناء على استنتاجات هذة الدراسة، فلا بد من ضرورة الاستمرار التشريعي بمنع الإعلانات الدوائية التي تستهدف المستهلك مباشرة في الأردن، وتطوير أنظمة مراقبة فعّالة لمحتوى المواد الإعلانية في كل الوسائط الإعلامية للحد من خطورة انتشارها، خاصة في غرف انتظار عيادات الأطباء والصيدليات. وأن يكون هناك جهة رقابية محددة ضمن المؤسسة العامة للغذاء والدواء الأردنية مسؤولة عن إجازة أي مادة إعلامية متعلقة بالدواء قبل نشرها وتكون تحت طائلة المساءلة القانونية، بحيث توضع تعليمات ملزمة خاصة بالإعلام الدوائي ولتكن تابعة لمديرية مستحدثة يلحق بها قسم التفتيش الدوائي في المؤسسة، على أن يشترك كل المعنيين من الشركاء في القطاعين العام والخاص في وضع معايير يُتفق عليها ضمن خطة قابلة للتنفيذ والقياس في مدة زمنية محددة مسبقًا لثلاث سنوات مثلًا.

إن أفضل مدخل للتغيـير، هو التأثير على مواقف واصفي الدواء من الأطبـاء، ومسـوقيه من الصيادلة، وذلك أثناء فترة تأهيلهم عن طريق إعادة صياغة جزء من المناهج العلمية بحيث ترتبط بحقائق الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ليتعلم طلاب الطب والصيدلة أن الترويج والتسويق الدوائي المنتشر يجب أن يكون علمياً وجديراً بالثقة ولا يعتمد على الجانب الدعائي فقط، بمعنى أن تكون كل معلومة إعلامية تخص الدواء مبنيةً على حقائق علمية مرجعية موثقة وأن تبتعد كل البعد عن أي معلومات مضللة. وبالتالي فإن أحد أهم التوصيات لهذه الدراسة، هو العمل على استحداث مناهج مدرسية في الإرشاد والتوعية الدوائية، بهدف تنشئة مجتمع واعٍ لمخاطر الاستخدام غير الرشيد للدواء. وعدم حصر الاهتمام بقضايا المرأة المتعلقة بالصحة الإنجابية والتخطيط الأسري فقط، فقضايا الدواء تشكل حيزاً أساسياً مهماً في السياسة الصحية المرتبطة بالتنمية الشاملة. بالأضافة إلى تفعيل دور الوسائل الإعلامية لتوعية مجتمعنا بقضايا الدواء، بشرط أن تكون جاذبية هذه البرامج بمستوى جاذبية الإعلانات التجارية. وأخيرًا العمل المشترك بين المؤسسات

التعليمية والإعلامية بدعم من مؤسسات المجتمع المدني والناشـطين من أفراد المجتمع للتخلّص من الصورة النمطية السلبية عن الإناث المؤصلة في وسائلهم، وتعديل بعض العادات الاجتماعية التي تعمل على تأصيل هذه الصورة.

المراجع

  1. أبو بكر، أمية وشكري، شيرين (2002)، المرأة والجندر، (ط1)، سوريا: دار الفكر بدمشق
  2. صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأ ة-UNIFEM (2005)، التنمية والنوع الاجتماعي، عمان، الأردن
  3. World Health Organization (WHO) (2004) Drug promotion: What we know what we have yet to learn: Geneva Switzer land.
  4. قانون الدواء والصيدلة: قانون مؤقت رقم 80 لعام 2003، وتعليمات تنظيم الإعلام الدوائي، الجريدة الرسمية رقم (4946) بتاريخ 15-1-2009
  5. Adeoye, Sanjo and Bozic, Kevin (2007), Direct to Consumer Advertising in Healthcare, Clinical Orthopaedics And Related Research, (457): 96-104.
  6. Gellad, Ziad and Lyles, Kenneth (2007), Direct-to-Consumer Advertising of Pharmaceuticals. The American Journal of Medicine, (120): 475-480
  7. Toop L. and Mangin D. (2007), Industry funded patient information and the slippery slope to New Zealand, BJM, (335): 694-695.
  8. Almasi, Elizabeth, Stafford, Randall, kravitz, Richard, and Mansfield, Peter (2006), What Are the public health Effects of Direct–to– Consumer Drug Advertising? PLOS Medicine (3): e145.
  9. Lenzer, Jeanne (2004), FDA is in capable of protecting US “against another Voixx”, BMJ, (329): 1253.
  10. Semin, Semih, Aras, Sahbal and Guldal, Dilek (2006), Direct – to – Consumer advertising of pharmaceuticals: developed countries experiences and Turkey, Health Expectations, (10) Issue 1: 4-15.
  11. Young, Henry, Lipowski, Earlene and Cline, Rebecca (2005), Using social cognitive theory to explain consumers’ behavioral intentions in response to direct - to - consumer prescription drug advertising, Research in Social and Administrative Pharmacy, (1), Issue 2: 270-288.
  12. Weissman, Joel, Blumenthal, David, Silk, Alvin, Zapert, Kinga, Newman, Michad and Leitman, Robert (2003), Consumer’s Reports on the Health Effects of Direct – To – Consumer Drug Advertising, Health Affairs – Web Exclusive W3: 83-95. Retrieved in July 2008 from: http://content.healthaffairs.org/cgi/reprint/hlthaff.w3.82v1.pdf
  13. Huh, Jisu and Beaker, Lee. (2005), Direct – to – Consumer Prescription Drug Advertising: Under Standing Its Consequences (Electronic Version), International Journal of Advertising: 1-17 (www.grady.uga.edu/coxcenter).
  14. Maubach, Ninya and Hoek, Janet (2005), New Zealand general practitioner's views on direct – to – consumer advertising (DTCA) of prescription medicines: a qualitative analysis. Journal of the New Zealand Medical Association, (118), No. 1215.
  15. Gilbody, S. Wilson, P and Watt, I. (2005), Benefits and harms of direct – to – consumer advertising: a systematic review, Quality and Safety in Health Care, (14): 246-250.
  16. المؤتمر العام لإتحاد الصيادلة العرب السادس والعشرون والمؤتمر الصيدلاني الأردني الثاني عشر (2008)، دور الصيدلاني في تأمين جودة الرعاية الصيدلانية، عمان، الأردن.
  17. Health Action International (HAI) (2001), Direct-to-Consumer Prescription Drug Advertising The European Commission's Proposals for Legislative Change: Amsterdam, The Netherlands.
  18. Kempner, Joanna (2006), Gendering the migraine market: Do representations of illness matter? Social Science & Medicine, (63): 1986–1997.
  19. Glass, Jennifer, Lanctôt, Krista, Herrmann, Nathan, Sproule, Beth and Busto, Usoa (2005), Sedative hypnotics in older people with insomnia: meta-analysis of risks and benefits, BMJ, (331): 1169-1173.
  20. Wazaify, Mayyada, Al-Bsoul, Abla, Abu-Garbieh, Eman, Tahaineh, Linda (2008), Societal perspectives on the role of community pharmacists and over-the-counter drugs in Jordan, Pharm World Sci, (30): 884-891.
  21. Ulanowski, P, Jakuboczyk, M and Hermanowski, T (2007), Sources of Information on Drugs Used by General Practitioners in Poland, Value In Health, (11) Issue 6: A367.
  22. Otoom,S. Batieha, A. Hadidi, H. Hassan, M. and Al-Saudi, K (2002), Evaluation of drug use in Jordan using WHO prescribing indicators, Eastern Mediterranean Health Journal, (8), No. 4&5
  23. البكري، ثامر (2006)، الإتصالات التسويقية والترويج، (ط1)، عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع.
  24. نجيب، مارقوه (2006)، التنميط الجندري في أغاني الفيديو كليب العربية، رسالة ماجستيرغير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
  25. جامبل، سارة (2002)، ترجمة الشامي، أحمد، النسوية وما بعد النسوية، (ط1)، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.
  26. قيراط، محمد (2006)، قضايا إعلامية معاصرة، (ط1)، الكويت: مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع
  27. Amerson, Katherine (2007), Direct–to– consumer pharmaceutical advertising in men’s and women’s magazines, unpublished master’s thesis, Texas Tech University: Texas, USA. (Unpublished Thesis)
  28. Anderson, Gail (2005), Sex and Racial Differences in pharmacological Response: where is the Evidence? Pharmacogentics, pharmacokinetics, and pharmacodynamisc Journal of women’s Health, (14) 1: 19 – 29.
  29. Phillips, Susan (2005), Defining and measuring gender: A social determinant of health whose time has come, International Journal for Equity in Health, (4):11 Retrieved in November 2008 from: http://www.equityhealthj.com/content/4/1/11